*بريطانيا تُدين.. والخرائط تتغيّر.. بقلم د. إسماعيل الحكيم*

*بريطانيا تُدين.. والخرائط تتغيّر.. بقلم د. إسماعيل الحكيم..* *Elhakeem.1973@gmail.com*
جاء الموقف البريطاني الصارم بإدانة فظائع وانتهاكات مليشيا آل دقلو الإرهابية ليكسر صمتًا دوليًا زئبقيًا، طالما اختبأ خلف لغة دبلوماسية رخوة، لا تجرؤ على تسمية الأشياء بأسمائها. هذه المرة، كان البيان واضحًا وحادًا، يصف ما يجري بأنه انتهاكات خطيرة، وجرائم ممنهجة، واعتداءات على المدنيين والبنية الوطنية السودانية.
هذه الإدانة لا تقف عند حدود الأخلاق السياسية، بل تتجاوزها إلى إعادة رسم اصطفافات جديدة على المسرح الدولي، ولا سيما حين تأتي من دولة كانت ولا تزال أحد أهم أركان المعسكر الغربي وركنًا ثقيل الوزن داخل مجلس الأمن.
دلالات الإدانة البريطانية
فالإدانة ليست موقفًا مؤقتاً وإنما هي إعلان تحوّل في القراءة البريطانية للحرب. فبريطانيا، التي تتابع المشهد السوداني عبر عدساتها التاريخية والجيوسياسية، لا تتخذ مثل هذا الموقف إلا حين تقتنع أن الحقائق على الأرض قد نضجت، وأن ميزان القوة والمشروعية بات يميل لصالح طرف واحد: حكومة الأمل السودانية وجيشها الوطني.
وهذه الخطوة في ما أرى تنطوي على رسائل إضافية:
– اعتراف ضمني بأن المليشيا فقدت أهليتها السياسية والعسكرية.
– تثبيت لوصف «الإرهاب» الذي بات لصيقًا بممارسات آل دقلو.
– تجريد المليشيا من أي غطاء دولي محتمل في المحافل الأممية.
وهذا الموقف لا يُقرأ منفصلاً عن الحراك الغربي المتزايد، وخاصة داخل المعسكر الأمريكي. فحين تتقدم بريطانيا الصف في إصدار موقف قوي، فإن ذلك يشير إلى:
– انسجام أوروبي-أمريكي متزايد حول دعم حكومة الأمل.
– احتمال نشوء مبادرة غربية جديدة لتوحيد الجهود في دعم الاستقرار في السودان.
– انكماش هامش المناورة السياسية الذي كانت المليشيا تستفيد منه عبر القنوات الرمادية.
وبالمقابل، فإن روسيا والصين اللتين تمثلان المعسكر المقابل ستجدان نفسيهما أمام ضغط أخلاقي وسياسي متزايد، إذ يصعب الدفاع عن مليشيا موصوفة دوليًا بالوحشية والانتهاك.
إذن الإدانة البريطانية تمنح حكومة الأمل ثلاث مكاسب جوهرية ورئيسة :
1. تعزيز الشرعية :
تتعمق شرعية الحكومة أمام الشعب حين يرى اعترافًا دوليًا بأن المليشيا هي الطرف المعتدي والمجرم.
2. تقوية الجبهة الداخلية
إذ تعطي المواطنين رسالة أن مسار الدولة يسير في الاتجاه الصحيح، وأن صمود الجيش يجد صدىً واحترامًا في الخارج.
3. تجفيف التعاطف الخارجي مع المليشيا
فكل دولة أو جهة كانت تراهن على بقاء هذه المليشيا ستُعيد حساباتها تحت وطأة الموقف البريطاني.
أما إقايميا فإن الإقليم يقيس مواقفه عادة بميزان المصالح و«الإشارات الكبرى». وبريطانيا تمثل إشارة كبرى:
– فدول الجوار ستميل أكثر للتعامل مع حكومة الأمل كممثل شرعي وحيد.
– القوى الإقليمية ستقلّل من مساحة المناورة التي كانت تمنحها للمليشيا.
– الملف السوداني سيُعاد ترتيبه على طاولة الإقليم باعتباره جزءًا من معادلة الأمن الجماعي..
أما دولياً فكل إدانة دولية تضع حجرًا جديدًا في جدار الحقيقة وتكسر سردية المليشيا القائمة على التضليل. أمّا الموقف البريطاني فيأتي بحجمه الكبير ليجعل:
– ملف الانتهاكات قابلاً للتحويل إلى قضايا جنائية دولية.
– تحركات المليشيا تحت مراقبة مكثفة في مجلس الأمن.
– الدعم الدولي لحكومة الأمل أكثر قوة ووضوحًا دون التباسات.
فالإدانة البريطانية ما كانت بياناً سياسيًا مجرداَ ، بل هي نقطة انعطاف في حرب السرديات وحرب الشرعية وحرب المواقف الدولية. إنها خطوة تسحب البساط عن المليشيا، وتدفع المجتمع الدولي نحو مزيد من الوضوح، وترفع سقف الدعم المعلن لحكومة الأمل السودانية التي تقود معركة تحرير الوطن وإعادة بنائه.
إنها لحظة تؤكد أن العالم بدأ يسمع صوت السودان الحقيقي.. وأن الحقائق لم تعد قابلة للإخفاء خلف غبار الأكاذيب.



