مقالات الرأي
أخر الأخبار

معتمدية اللاجئين : الأصل والفروع

معتمدية اللاجئين :
الأصل والفروع

معتمدية اللاجئين ليست إدارة حكومية عادية بكل ما تحمل هذه الكلمه من معنى وهذه النقطه بالذات يجب وضعها في الاعتبار عند الحديث عن أى إصلاح لها من قبل الجهات المعنية بذلك.
خصوصية إدارة اللاجئين تأتى من خصوصية البرنامج نفسه فهو برنامج دولى تحت رعاية الأمم المتحدة وتحت رحمة أجندة المانحين سواء كانت أجندة حسنة النوايا أو أجندة خبيثة.
خصوصيتها تأتى أيضا من الأبعاد الإنسانية للبرنامج وهى أبعاد لها علاقة مباشرة بمنظومة حقوق الإنسان الدولية وكل المواثيق ذات الصلة.
تنفذ معتمدية اللاجئين هذا البرنامج بإتفاقيات تجدد سنويا مع رصيفها الاممى وهى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كما لها علاقات مع وكالات الأمم المتحدة الاخرى كل حسب مجاله كبرنامج الغذاء العالمي والمنظمة الدولية للهجرة وتدخل كثير من المنظمات العالمية والوطنية كشركاء بإتفاقيات تجدد سنويا.
على المستوى الداخلي وبحكم طبيعة البرنامج تنسق هذه الإدارة عملها بصورة يومية مع الأجهزة الأمنية والوزارات المختصه وكل ذلك تحت الإشراف المباشر لوزارة الداخلية التى تتبع لها هذه الإدارة.
قبل بروز معتمدية اللاجئين للوجود كان هنالك لجنة مركزية تشرف على شؤون السودانيين الذين فروا إلى يوغندا بعد اندلاع التمرد فى جنوب السودان فى سنة ١٩٥٥م وواصلت أيضا الإشراف على إيواء اللاجئين الكنغوليين فى منتصف الستينات ، بعد التدفقات الأريتريه فى نفس الفترة أصدر وزير الداخلية حينها القرار الوزارى رقم (52) بتاريخ 9 / مايو 1968م تم بموجبه إنشاء مكتب معتمد اللاجئين كأحد إدارات وزارة الداخلية وذلك للعمل سوياً مع مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين على رعاية شئون اللاجئين فى السودان .
تغيرت تبعية هذه الإدارة حسب التقلبات السياسية بالسودان بين وزارة شؤون مجلس الوزراء ووزارة شؤون الإغاثة وإعادة التعمير لكن فى غالب تأريخها ظلت تابعة لوزارة الداخلية.

العاملون:
على مستوى الرئاسة ظل العاملون بها جزء من الهيكل الوظيفي للدولة(خدمة معاشية حسب قانون الخدمة المدنية واللائحة التابعه له) ويتلقون أيضا دعما إضافيا من ميزانية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين .
طبيعة علاقة العمل بالمعسكرات كانت مختلفه تماما حيث أن المعسكرات ليست ذات طبيعة دائمه وأحيانا تنشأ ويتم إغلاقها فى فترة وجيزة لذا يتم إستيعاب العاملين بها بصورة مؤقته ( حسب قانون علاقات العمل الفردية، أى خدمة تأمين اجتماعي ) ويطلق علي ذات الوضع احيانا لفظ موظفو الطوارئ ومدلول الكلمه مفهوم بكل تأكيد .
فى عام ٢٠٠٥ م تم إجازة هيكل جديد تم فيه إستيعاب كل الوظائف الأساسية خارج الخرطوم فى سلك الخدمة العامه خاصة مساعدى المعتمد والادارات التابعه لهم ومديري الإسكان ولكن لم يمض وقت طويل وحدث ما لم يكن فى الحسبان وهو دخول اللاجئين الجنوبيين للسودان، فجاءة وجدت المعتمدية نفسها تعمل فى كل ولايات السودان إذ شكل الجنوبيون ٧٠% من جملة حجم برنامج اللاجئين بالسودان ، عملت إدارة شؤون العاملين بالمعتمدية على اقتراح هيكل جديد لإستيعاب هذا الوضع وهو الأمر الذي لم يرى النور حتي الآن نتيجة للظروف التى تمر بها البلاد منذ العام ٢٠١٩ م .

عانت هذه الإدارة خلال العهد البائد من مشكلتين أساسيتين:

أولا عدم وضوح السياسات :
فقد تم إستقبال مئات الآلاف من الوافدين للسودان دون توصيف قانوني محدد كمواطنى الدول العربية كالسوريين واليمنيين وهذا وضع ما زال قائما حتى الآن وكمواطنى دولة جنوب السودان فقد استمروا لسنوات دون إضفاء صفة اللجوء عليهم وقطعا أسهم هذا الامر فى الفوضى السائدة الآن والتى لا تليق بدولة بحجم هذه البلاد وإرثها.

ثانيا إستيعاب العاملين :
هذه من الأمور الحساسه والمحزنه جدا فى ذات الوقت ، حسب قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤ م هذه الإدارة هى الرصيف الحكومى للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وكلمة رصيف هذه تنسحب بصورة أساسية على الوظائف الأساسية بالمركز والولايات بمعنى أن أى مدير إدارة أو مساعد معتمد لديه رصيف من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وذلك لتنسيق العمل معا.
موظفو الوكاله الاممية على درجة عالية من التأهيل والدراية بعملهم وقد كان موظفو معتمدية اللاجئين خلال تأريخها الطويل بذات المستوى ولكن خلال العهد البائد اختلف الأمر تماما حيث تم إستيعاب بعض العاملين دون مراعاة طبيعة البرنامج؟؟ تخيل موظف حكومي يجلس مع رصيفه الاممى ولا يدرى ماذا يقول معه؟؟!! لابد أن نشير هنا أن مركز دراسات اللاجئين بجامعة أكسفورد ببريطانيا شارك في تأسيسه أحد اعلام هذه الإدارة فى عهدها الزاهر وهو المرحوم الدكتور أحمد عبد الودود كراداوى وقد كان ذلك في عام ١٩٨٢ م

بناء على السرد اعلاه ولأجل الوطن نرجو أن نضع النقاط أدناه أمام اللجنة المكلفه بمراجعة الوضع بمعتمدية اللاجئين:

أولا:
خلال كل العهود التى مرت بهذه الإدارة لم يكن هنالك موظف بالرئاسه يعمل بوظيفة مؤقته ولا ينبغي أن يسمح بهذا الوضع، موظفو الرئاسة يجب أن يكونوا على ادراك أولا بالسياسات العامه للدولة فى مجال اللاجئين ويجب ثانيا أن يكونوا على درايه تامه بطبيعة العمل مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين وعلى هذا الأساس يكون مديرو الإدارات العامه هم من اقدم العاملين بالإدارة، هذا هو إرث هذه الإدارة و يجب الا يتم الجمع بين إداراتين وذلك لتسهيل العمل مع الرصيف الاممى. كما أن العمل مع الأجانب به كثير من المحاذير لذا تكليف موظفين مؤقتين للتعامل مع مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ليس من الحصافة فى شيء.

ثانيا:
يتم حصر كل العاملين حسب الاقدمية، الخبرة، التأهيل وعلى هذا الأساس يتم توزيعهم للإدارات العامه بالرئاسه و مساعدى المعتمد بالولايات مع ملاحظة أن قانون الخدمة العامه لا يسمح بأن يرأس الموظف من هو أقل منه درجة كما يحدث على خشبة مسرح العبث واللامعقول بالمعتمدية هذه الأيام.

ثالثا:
يوجد بولاية النيل الأبيض الآن أكثر من نصف مليون لاجىء يشكلون أكثرمن٢٥ % من جملةاللاجئين بالسودان ، والوضع بها حساس بكل المقاييس ، يخلو مكتب المعتمدية هنالك من اى خبرات إدارية قديمة وكل العاملين به تم إستيعابهم مع دخول اللاجئين الجنوبيين وهو وضع غير قابل للتصديق من كل الاوجه، منطق المصلحه العامة يقول يجب أن تكون ٢٥% من الخبرات القديمة بمعتمدية اللاجئين بهذا المكتب الآن وذلك نظرا للثغرة الكبيرة التى ظهرت من الوجود الجنوب سوداني بعد الأحداث الجارية بالبلاد الآن .

رابعا:
خلال السنوات الماضية تم رفد هذه الإدارة بعدد كبير من العاملين على الخدمة العامه وذلك خصما على برنامج إستيعاب الخريجين والذي نفذ على مستوى الدولة ، هذه المجموعة تحديدا طالما لديها وظائف على الدولة لماذا لا يتم التفكير فى إستيعابها داخل الهيكل المشار إليه أعلاه بدل التفكير في التخلص منها كما يجري الآن.

خامسا:
نسبة للوضع الجديد بالبلاد يجب التركيز على زيادة الوجود الحكومى فى هذا البرنامج وتقليص وجود المنظمات ، وجود المنظمات فى هذا البرنامج مرهون بموافقة حكومة البلد المضيف حسب نصوص النظام الأساسي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وهو نظام مجاز من الجمعيه العامة للأمم المتحدة التى يتمتع السودان بعضويتها، التحدى هنا يتوقف على مدى كفاءة العاملين الذين يتم إختيارهم للعمل لأننا ندرك سلفا ضعف كفاءة العاملين بالدولة مقارنة بموظفى المنظمات.

ختاما لطبيعة هذا البرنامج وآثاره على الأمن القومي للبلاد يظل موظفو الخدمة العامه هم الاصل فيه، هذا ما درج عليه السابقون فى هذه الإدارة فموظف الخدمة العامه بحكم تدرجه فى العمل يكتسب الخبرة ويستوعب طبيعة العمل المتشابكه فى هذا المجال ، هذا هو الوضع الطبيعي و الموروث بعيدا عن التنظير الفارغ الذي أضاع إرث خمسة عقود من عمر هذه الإدارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى