اخبار عالمية
أخر الأخبار

ترامب وسقوط الإمبراطورية الأمريكية* *بقلم المهندس/حسب الله النور سليمان*

بسم الله الرحمن الرحيم

*ترامب وسقوط الإمبراطورية الأمريكية*

*بقلم المهندس/حسب الله النور سليمان*

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عددًا من الأوامر التنفيذية والتصريحات التي كانت ولا تزال مثار جدل في الأوساط السياسية والإعلامية. فقد زاد الرسوم الجمركية على بعض الدول، وتوعد دولًا أخرى، ورحل آلاف المهاجرين من أمريكا، وفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، كما توعد بترحيل أهل غزة، وانسحب من منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، واتفاقية المناخ، وغيرها من القرارات والتصريحات.

في حلبة مصارعة الثيران، لا يستطيع المصارع ضعيف البنية الانتصار على الثور الضخم الهائج في بداية الجولة. وإن وقف أمامه، فهو مقتول لا محالة. لكن النزيف المستمر بسبب السهام الصغيرة يجعل هذا الثور بقرونه الطويلة يخر راكعًا في النهاية ثم يموت.

إن الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت بمثابة صافرة بداية الصراع. فانهالت السهام على الثورة الأمريكية الهائج، وتقاطرت عليه من كل حدب وصوب. فبعد زيادة الرسوم الجمركية التي فرضها على كل من كندا والمكسيك والصين، ردت عليه هذه الدول بالمثل، وذلك قبل أن يتراجع عنها. أما الرئيس البنمي فقد وصف أمريكا بالكاذبة في رده على ادعاء ترامب “إعفاء سفن الحكومة الأمريكية من رسوم عبور القناة”، واستطرد قائلاً: “إن القناة بنمية وستبقى بنمية”.

وقد اصطف آخرون ونثروا كنانتهم استعدادًا لرمي الثور الهائج بسهامهم. فوزير الخارجية الهندي توعد بإجراءات صارمة نتيجة لترحيل المهاجرين الهنود. وفي سياق متصل، رد بوتين بقوة على تهديد ترامب لدول البريكس، وكذا فعل ملك الدنمارك ردًا على التهديد بأخذ جزيرة غرينلاند. أما دول الاتحاد الأوروبي فكان موقفها أكثر سفورًا وتحديًا، حيث قال رئيس الوزراء الفرنسي بايرو: “إن فرنسا والاتحاد الأوروبي قد يُسحقان بسبب السياسة المعلنة لترامب، إن الولايات المتحدة قررت سياسة مهيمنة على نحو لا يُصدق”. وأضاف: “إذا لم نفعل شيئًا، فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق، والأمر مناط بنا نحن الأوروبيين لاستعادة زمام الأمور”. وعلى صعيد متصل، قال ماكرون: “إن أوروبا بحاجة إلى اتخاذ مواقف قوية وفعالة”. واستطرد قائلاً: “أن تكون حليفًا لا يعني أن تكون تابعًا”. وقال المستشار الألماني شولتس: “نحن قادرون على صياغة شؤوننا الخاصة، ويمكننا أيضًا الرد على سياسة الجمارك بسياسة مماثلة. يجب علينا أن نفعل ذلك وسنفعل”. واستطرد قائلاً “وخلال ساعة واحدة”.
وبدوره، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك: “علينا أن نفعل كل شيء لتجنب هذه الحرب الجمركية الغبية تمامًا، ولا يمكننا أن نفقد احترامنا لذاتنا وثقتنا بأوروبا”.

وعلى هذا المنوال توالت الردود. وحتى بابا الفاتيكان أدلى بدلوه، و رمى بسهمه واصفًا ترحيل المهاجرين من أمريكا بأنه “عار”.

إن علم فلسفة التاريخ من أخطر العلوم الإنسانية، لأنه يلقى الضوء على مسيرة التاريخ البشري ويحاول أن يستخلص منه الدروس والعبر. فهو علم يدرس صعود الحضارات وزوالها، والعوامل التي تؤدي إلى ذلك. ومن أهم فلاسفته: ابن خلدون، وكانط، وهيغل، وكونت، وماركس وغيرهم. وقد اتفقوا على كثير من العوامل التي تؤدي إلى سقوط الإمبراطوريات. وقد تحقق كثير من هذه العوامل في الواقع الأمريكي الراهن “لا يسع المجال لذكرها”. لقد سقطت بريطانيا من مركز الدولة الأولى في العالم بعد أن كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بعد تحقق عناصر السقوط. فكان قرار تشرشل بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وذلك بإغرائه لأمريكا بالدخول في الحرب العالمية الثانية فأزاحتها أمريكا عن مركزها وحلت محلها. وكذا فعل غورباتشوف بنظرية البريسترويكا، فإنفرط عقد الاتحاد السوفيتي وتناثر إلى دويلات بعد أن كان الدولة الثانية في العالم.
هل سيفعلها ترامب؟
إن العالم الإسلامي كان صاحب النصيب الأوفر من تهديدات ترامب، فقد طالب المملكة العربية السعودية بدفع خمسمائة مليار دولار، ثم ما لبث أن رفع السقف إلى تريليون دولار، ثم طالب بأن تصادر أموال السياسيين العراقيين المودعة في البنوك الأمريكية مقابل ما خسرته أمريكا في حرب العراق. وطالب مصر والأردن بتوطين الفلسطينيين بعد طردهم من غزة، في تحدٍّ سافر لجميع الأعراف الدبلوماسية، ومخالفًا لكل القوانين الدولية، ومتجاهلًا تمامًا مشاعر المسلمين. وبرغم إثارة الرأي العام الدولي ضده بسبب هذا التصريح، فلم يتراجع إلا مؤقتًا. كما قال ذلك صراحة: “نحن لسنا على عجلة من أمرنا”. وفي تصريحاته الأخيرة ذهب أبعد من ذلك حيث قال: “لا حق للفلسطينيين بالعودة إلى غزة وأنا ملتزم بشراء غزة وامتلاكها، أنا لا أهتم بالانتقادات من الشرق الأوسط”.
ومع كل هذه الإهانات، و رغم وجود مئات الآلاف من العسكرين لم نر سهماً واحداً أطلق ولا كنانة نُثرت من كل بلاد المسلمين إلا من مواقف خجولة من الاستنكار والرفض.
وعلى قول الفيلسوف الفرنسي، في السياسة الدولية صنفان: آكلي الأعشاب وآكلي اللحوم. فإن لم تكن من آكلي اللحوم، فستكون فريستهم. وقد صدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما قال: “ما من قوم تركوا الجهاد إلا ذلوا”.

كلمة واحدة يصدح بها خليفة المسلمين: “حي على الجهاد”، حتى يتبدل حال المسلمين من الذل والهوان إلى عز الدنيا والآخرة.

فهل من مجيب؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى