
**النسيج المجتمعي السوداني.. الي اين** ؟
“” “” “” “” “” “” “” “” “” “”
عبدالعزيز أحمد الجنيد
يعرف النسيج الاجتماعي بأنّه مجموعة العلاقات والروابط التي تربط بين الأفراد والمجتمعات؛ كما يعبّر عن مدى تفاعل أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، ويكون أكثر قوةً ومرونةً عندما يكون التفاعل بين الأفراد إيجابيًا وحضاريًا، وفي نفس الوقت يكون النسيج ضعيفاً في حال وجود الخلافات أو الصراعات بين الأفراد.
و اسوأ مخلفات هذه الحرب اللعينة والتي تحتاج لعشرات السنين لتجاوزها – ذلك اذا نجحنا – هي الشرخ الذي حدث في النسيج الاجتماعي السوداني. والذي كان يميزه عن الشعوب الأخرى.. إذ تتعايش فيه القبائل السودانية بمختلف الأجناس والألسن والاديان في تجانس وانسجام.. ولكن هذه الحرب كان اختراقها الأول للنسيج الاجتماعي.. لأنها انطلقت من مكون قبلي جغرافي محدد.. فرأس الرمح لقوات الدعم السريع أسرة آل دقلو.. ثم توسعت الي بطن العطاوة. الي قبيلة الرزيقات. الي منطقة شرق دارفور.. وتوسعت غربا وشرقا لتشمل معظم دارفور وغرب كردفان بعد انضمام قادة الادارات الأهلية لقبائل المسيرية وبني هلبة والهبانية وغيرها من القبائل الدارفورية.. و استنفار قبائل غرب افريقيا. مما أفضى لصفة الجهوية على المكون الأساسي لقوات الدعم السريع. وجعلها في موقف مضاد لبقية أجزاء الوطن رغم انه يضم الكثير من أبناء هذه القبائل.
وبتوسع العمليات العسكرية لتشمل ولايات الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار حتى النيل الأزرق. والعمل على استقطاب بعض أبناء هذه المناطق الذين استقر ذووهم بوسط السودان منذ عشرات السنوات.. ومنهم من ولد ودرس وشب في هذه المناطق دون أن يزور مناطق الجذور. ومع الجرائم المروعة التي ارتكبتها هذه القوات في حق المواطن المدني البسيط. من قتل وضرب وتنكيل ونهب ثم تهجير. تغيرت نظرة المجتمع تجاههم. خاصة عندما يرون من تربي وعاش معهم مشاركا في هذه الجرائم. واكبر بينة حاليا ان معظم منازل المدن و القري تم نهب كل محتوياتها. وتم إخراج كميات مهولة من المسروقات من مجمعات الكنابي التي تسكنها بصورة أساسية القبائل التي نزحت منذ عشرات السنين بحثا عن العمل أو بسبب الجفاف و التصحر الذي اصاب تلك المناطق في ثمانينات القرن الماضي. أو المجموعات التي نزحت من جبال النوبة.
تسود مناطق الجزيرة حاليا روح عدائية تجاه هؤلاء. رغم خطأ التعميم.. وهناك من يطالب بابعادهم أو عدم التعامل معهم. رغم أن كثير منهم أصبحوا يمتلكون سكنا رسميا في المدن والقرى التي تجاورهم. لكن انضمام بعض ابنائهم المعروفين لقوات الدعم ادخلهم تحت طائلة الاتهام. هذه النزعة ترسخت في اذهان الكثيرين. بل بدأوا تطبيقها عمليا بعد معرفتهم بمن نهب ممتلكاتهم من منازلهم عقب خروجهم منها قسرا لعدة أشهر. ووجدوا معظمها لدي بعضهم.
كما لانعفي حركات دارفور المسلحة التي بدأت استقطاب بعض سكان الكنابي من دارفور في منطقة الجزيرة.. عقب تطبيق اتفاقية سلام جوبا. وتبني قضية الحقوق المسلوبة بالجزيرة وتكوين كيانا رسميا ينادي بذلك..
هذا الشرخ المجتمعي اسهمت فيه الحركات الدارفورية بشكل أساسي عقب ثورة ديسمبر رغم ان دارفور كانت اكثر المناطق تضررا ومعاناة في عهدالانقاذ.
حركات مسلحة نشأت تحت مسمى – حركة تحرير السودان – ثم تشظت الي عدة حركات استنادا للمكون القبلي أو بطن القبيلة. و سعت الحركات المسلحة الدارفورية لاستقطاب ذويهم الذين استقروا بوسط السودان منذ عشرات السنوات. وأصبح لهم صوت يعلو مطالبا ببعض الحقوق. والتي يكفلها لهم دستور البلاد دون استغلالها سياسيا. وذلك بهدف الكسب السياسي. مما رفع قرون الاستشعار لدي سكان وسط السودان من أهداف هذا التوجه بعد أن كانوا يتعايشون في توافق وسلام . كما عملت قوات الدعم السريع على اغراء بعضهم للانضمام إليها وشاركوا في عملياتها الاجرامية. مما بدل حالة التوجس الي حالة عداء. وجاءات حركة العدل والمساواة مؤخرا لتعقد الأمر أكثر وهي تدفع بممثلين لها في لجنة إعادة اعمار مشروع الجزيرة. وهي ليست لها أي علاقة مباشرة بذلك الا شئ في نفس يعقوب. وبذلك كأنما اكتملت الصورة تماما.
الان الأمر يتطلب جهودا جبارة من المكونات القبلية الدارفورية لإعادة النسيج المجتمعي إلى بعض التحسن لان كله يصعب حدوثه. بعد أن وصلت إلى مرحلة شبه عدائية. وذلك يتم اولا بالاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت سلما من بعض المكونات الدارفورية في وسط السودان. والمطالبة بحقوق لا تؤتي عبر المسار السياسي.
اما ما حدث في هذه الحرب فهي جرائم مريعة.وكل المنفذين لها من دارفور وما جاورها. ووقعت علي الجميع. في دارفور و مناطق وسط السودان التي كانت الأكثر تضررا سواء من حيث ضحايا الأفراد أو الممتلكات. حيث تم تدمير كامل للبنية التحتية والمشروعات الاقتصادية من زراعية وصناعية وخدمية بصورة ممنهجة بجانب نهب كل ممتلكات المواطنين وموارد دخلهم كحق لهم بعد قتل المواطنين أو قهرهم واذلالهم. هذه أحداث لن تمحي من ذاكرة من عاشوها من أطفال وشباب وكهول. نساءا ورجالا.
ويبقى هنالك سؤالا حائرا.
أين ذهبت كل هذه المنهوبات.. مئات الالاف من العربات – اثاث ملايين المنازل بالعاصمة و الولايات التي تم اجتياحها – ملايين رؤوس الماشية – محتويات المستشفيات والمستوصفات الطبية والجامعات – المؤسسات الحكومية – المصانع – الأسواق. كلها اختفت في فترة وجيزة متزامنة مع احتدام المعارك.
أين ذهبت وكيف تم ترحيلها؟
وهذه تظهر البعد غير السياسي لهذه الحرب. هل هو تدمير؟ ام إفراغ المنطقة من كل مقومات الحياة واخلائها من سكانها الأصليين؟ لان انتصار الدعم السريع يعني استمرار بقائهم في الاعيان المدنية وعدم عودة أصحابها الأصليين لانتفاء مصادر الدخل و مقومات الحياة.
ولتجاوز ذلك والمحافظة على بعض لحمة النسيج المجتمعي السوداني. يتطلب الأمر وعيا أكبر من هم ضحايا هذه الحرب بالسمو بالنفس وابعاد روح الانتقام أو استعادة الحقوق بالقوة. أو حتى نبرة التقسيم التي طافت باذهان البعض نتيجة لما عاشوه. أما المجتمعات الدارفورية والتي تعتبر حاضنة اجتماعية لهذه القوات فعليها بالاعتراف باخطائها اولا في موقفها من الحرب. ثم خضوع كل من شارك في الحرب للعقاب. ثم استعادة كل ما تم نهبه من ممتلكات المواطنين ووصل الي مناطقهم.وموافقتهم باي حكم يصدر ضدهم وطلب العفو من الجميع.. هذا طريق يؤدي للمحافظة على وحدة البلاد السياسية ووحدة النسيج المجتمعي و محاولة اعادته الي بعض مما كان عليه.