
كل الحقيقة
عابد سيداحمد
محطة الوطن الكبير… ومدنى واجمل خبر !!
عندما زرت قبل أيام محطة الوطن الكبير عطبرة وجدت نفسى أبحث عن منزل الفنان الراحل المقيم حسن خليفة العطبراوى الذى كنا نزوره فيه فى حياته عندما كنا ناتى لعطبرة
كما بحثت عن مكان جلوسه المعتاد فى السوق الكبير فالعطبراوى الذى نفتقده (بشدة) هذه الأيام يستحق أن نقف على كل مكان اقام فيه اوجلس أو غنى وسجن تقديرا له فهو ملهم الروح الوطنية باغنياته ضد المستعمر و التى تجاوز فيها الرمزية إلى الجهر بالقول مستفيدا من وجوده بعطبرة المناضلة
ولم يك العطبراوى أيامها يخاف على شئ أو من شئ وهو المتشرب بحب الوطن
مما جعله يغنى ياغريب يلا لبلدك أمام المفتش الانجليزى بالدامر ليحكم عليه بالسجن
وكان ضابط السجن يتفاجأ كل يوم (برص) أهل عطبرة (لاعمدة الطعام ) على مد البصر أمام باب السجن موفرين الطعام للعطبراوى حتى لا يأكل طعام السجن
وعندما أخرج من محبسه لم يذهب العطبراوى إلى بيته بل ذهب ليغنى ويلهب الحماس ضد المستعمر والجماهير تردد معه أغنياته التى من بينها أنا سودانى التى كتبها ابن الجزيرة محمد عثمان عبد الرحيم الذى كان يعمل محاسبا بعطبرة ومنها وطنى العزيز ولن احيد وياغريب يلا لبلدك وغيرها من الأغنيات التى كانت تلهب الحماس فى كل السودان
وكان العطبراوى عقب كل مرة يزج فيها به فى السجن يخرج أكثر صلابة وقوة على مواصلة النضال
وهكذا دور الفنان ضمير أمته وبالتاكيد لو كان العطبراوى حيا فى زمان استباحة المليشيا التى تضم الاجانب المرتزقة لبيوتنا واعراضنا والتى نهبت ممتلكاتنا وشردتننا لما صمت مع الصامتين من أهل الابداع ولالهب الحماس فى المقاتلين والشعب حتى القضاء على المليشيا الإرهابية
ولاختار أن يكون له دور وأثر فاعل وقوى بجانب قواتنا المسلحة ..
والتاريخ يحتفى باصحاب المواقف البطولية فى ظل التحديات الكبيرة مثلما فعلت ياعطبراوى حينها ويفترض أن يفعل ذلك حاليا كل مبدعينا
وانا فى عطبرة تذكرت المبدع الكبير الشاعر جمال عبد الرحيم صاحب اغنية عطبرة
كان الزمان لسه رضى
والناس ظروفها مقدرة
وانا فى القطار اصغر صبى
امال تفيض متفجرة
ولما القطار صفر وقف
بهرتنى صورة عطبرة
دى محطة الوطن الكبير
الاغنية التى كتبها جمال وغنتها مجموعة عقد الجلاد
وجمال هذا موسوعة ثقافية وابداعية وجدته فى ودمدنى يحلق حوله أهل الابداع فى اتحاد الفنانين كل يوم … أيام كان الزمن فى مدنى أيضا لسه رضى وهو القادم من أقصى الشمال والذى وجد نفسه فى ارض المحنة الجزيرة وكتب :
جيتى من وين يابنيه وناويه على وين السفر قلتى لى مدنى الجميلة مدنى يااجمل خبر
وليت اجمل خبر يكون تحرير الجزيرة قريبا جدا لتعود الروح للسودان التى فقدها بفقدان الجزيرة شريان الوطن الكبير
وعودتى لعطبرة جاءت بدعوة من البنك العقارى التجارى لحضور افتتاح فرعه الجديد هناك فكانت فرصة لزيارة مدينة احببتها جدا و غبت عنها لسنوات طويله
وعطبرة مدينة مختلفة إنسانا و تاريخا وثقافة وحياة
وحزنت فى عودتى هذه لفقدان صافرة القطار وأصوات عجلاته والتى لم تك تنقطع والتى كانت من مميزات مدينة الحديد والنار
احزننى افتقادى للقطار الذى كان جزءا من الوجدان السودانى و الذى طالما غنينا له
قطار الشوق متين ترحل تودينا
نشوف بلدا حنان أهلها
ولما القطر صفر شالو شال قلبى قبالو
والكثير الكثير من اغنياتنا كانت مرتبطة بالقطار لارتباط حياتنا به
وقد تراجعت احوال اهل عطبره بعد تراجع السكة الحديد … ذلك التراجع المحزن والمؤسف للمؤسسة العريقة إلا أن انسانها هو هو بكل جماله
ومثلما نبكى على فقدنا للسكة الحديد التى كانت تتمدد فى كل ارجاء البلاد وسيلة نقل قليلة التكلفة وبسعة كبيرة للركاب والبضائع ظللنا نبكى على مشروع الجزيرة الذى كان جمل شيل الاقتصاد السودانى وعلى سودانير و و و و القائمة تطول وتلتقى فى أن وراء انهيارها كلها عدم اختيارنا للكفاءات المقتدرة لادارتها وغياب السياسات الناجحة للمحافظة عليها وتطويرها فى ظل المجاملات فى التعيين وغياب الاهتمام بشرايين الاقتصاد وهذه ام مشكلاتنا التى هزمت الوطن قبل الحرب وستقعد به إن لم نعالجها بعدها