
تسجيل الأجانب أين يكمن الخلل: الشرطة أم معتمدية اللاجئين؟
كشفت الحرب الدائرة فى السودان الآن ثغرات كثيرة فى أداء المصالح الحكومية سواء كانت ذات طبيعة نظامية أو ذات طابع مدنى والخلل المقصود هنا هو ما مدى نجاعة هذه الأجهزة فى التعامل مع المهددات الأمنية فى كل مراحلها من مرحلة التنبوء بها إلى مراحل الرصد والتقييم والمعالجة.
شرطة السودان عانت كغيرها من القوات النظامية فى العهد البائد،
هذا الوضع لم تجنى منه البلاد شيئا سوى إستنزاف الخزينه العامه ( بيد من يعتقد أنه لا يسأل عما يفعل) .
هذه المقدمة لها علاقة بما نحن بصدده الآن وهو حصر وتسجيل الأجانب بالسودان وهي قضية الساعه دون منازع. لا يوجد بلد في العالم لا يقوم بتسجيل الأجانب فور قدومهم له ومن لا يسجل يتم طرده كما تفعل أحد الدول الشقيقه هذه الأيام.
ليس لدينا مشروع لتسجيل الأجانب ولكن لدينا إدارة كاملة لشؤون الأجانب تعج بالرتب والمقامات السامية ولله الحمد والمنه.
لا أحد فى السودان اليوم صغر أو كبر مقامه يعلم عدد الأجانب فى هذه البلاد المنكوبه .
بداية ولفائدة القراء نرجو أن نوضح بأن اللاجئين يندرجون تحت فئة الأجانب، لذا يجب تسجيلهم لدى الشرطة ومنحهم الرقم الأجنبي.
الآن هنالك مشروعين لتسجيل الأجانب بالسودان، ومن سخرية القدر أن كلا المشروعين تم تأسيسهما بمبادرة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وكلا المشروعين وصلا إلى طريق مسدود الآن وقطعا يرجع سبب ذلك لطبيعة تأسيسهما وهنالك ملاحظات مهمة وحساسة جدا على كلا المشروعين، فسير العمل بالمشروعين يقدح فى كفاءة أجهزة الدولة وتفريطها فى عصب الأمن القومى لهذه البلاد.
أولا: مشروع تسجيل اللاجئين يهدف أساسا لحصر اللاجئين وتقديم الخدمات لهم، بدأ هذا المشروع بمذكرة تفاهم بين معتمدية اللاجئين و المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فى عام ٢٠١٣ م ، تنص هذه المذكرة على أن تقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتأسيس هذا العمل ونقله بصورة تدريجية للمعتمدية باعتبارها الإدارة الحكومية المعنية بأمر اللجوء ، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تدرك سلفا أن هذا العمل عمل سيادى ومن صلاحية الدولة وإدارة البيانات الشخصية لفئة من الناس بما في ذلك إدارة البصمة الشخصية أمر من صميم صلاحية الدولة ، المعتمدية شاركت وما تزال تشارك في هذا العمل على مستوياته الدنيا و لكن ما تزال قاعدة البيانات تحت إدارة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
جرت كثير من المحاولات لربط قاعدة البيانات هذه بشبكة السجل المدني باعتبار أن هذا هو الوضع الطبيعي و أشترطت إدارة السجل المدني شروط محدده لإكمال هذا الربط كان أهم هذه الشروط إنتقال أمر إدارة قاعدة البيانات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لإدارة اللاجئين باعتبارها الجسم الحكومى المعنى بشؤون اللجوء كما أسلفنا ، مما يثير الحيرة أن الفنيين من معتمدية اللاجئين و الذين شاركوا في هذه المجهودات لسنوات تم إستبعادهم من العمل فى التكاليف التى صدرت مؤخرًا من رئاسة المعتمدية وهذا يطرح سؤال مهم جدا ما هى أولويات المعتمدية إذن؟ اذا كانت تقوم بإستبعاد أناس كهؤلاء فى وقت ترفع فيه الدولة شعار حصر وتسجيل الأجانب ، هذا الإجراء إن دل على شئ فهو يدل على جهل مطبق أو سوء قصد لم تدرك مراميه بعد .!!!
( إذن الطريق المسدود الذي نعنيه فى موضوع تسجيل اللاجئين هو أن هنالك قاعدة بيانات ضخمه للاجئين بالسودان الآن و لا علاقة لها بشبكة السجل المدني للدولة.)!!!!
ثانيا: تسجيل الأجانب ، أهداف هذا التسجيل أشمل من سابقه، فهو معنى بحصر وتسجيل الأجانب بغرض ضبط الهجرة وتنظيم الاقامه، مكافحة الجريمة العابرة ، مكافحة الإرهاب والتطرف….الخ, كما ذكر عاليه لا يوجد مشروع لتسجيل الأجانب واستخراج الرقم الأجنبي بالسودان رغم أنه منصوص عليه في قانون السجل المدني لعام ٢٠١١م .
عند دخول الجنوبيين للسودان فى نهاية العام ٢٠١٣م سمح لهم بالدخول بدون اى قيود أو تصنيف قانوني حسب توجيه المخلوع حينها ، فى فترة لاحقة صدر قرار من مجلس الوزراء بتسجيلهم كأجانب ، تم تكوين آلية تسجيل الجنوبيين لمنحهم الرقم الأجنبي وذلك بتمويل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وتحت إشراف الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية .
أثناء سير عمل هذه الالية تغيرت السياسه ناحية مواطنى جنوب السودان وتم منحهم صفة اللجوء وتم تغيير إسم آلية تسجيل الجنوبيين إلى آلية تسجيل اللاجئين.
قامت هذه الالية بإدراج ربع مليون جنوبى فى سجل الرقم الأجنبي وتوقف العمل بحجة التمويل من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين و أتضح لاحقا أن موضوع التمويل هذا كان مجرد ذريعه للانتقال للعمل بنصيحه أحد خبراء المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والذي كان يرى بأن هذا الأمر أذا استمر سيحرم بعض الجنوبيين المقيمين بالشمال لعقود طويلة من الحصول على الجنسية السودانية مستقبلا، ثانيا ليس كل الأجانب يندرجون تحت ولاية المفوضيةالسامية
لشؤون اللاجئين فهنالك أجانب يعلمون بالمنظمات والشركات والبعثات الدبلوماسية و هنالك مستثمرين وسياح.
( إذن الطريق المسدود الذي وصل إليه هذا المشروع هو التوقف بسبب التمويل) ، وهو أمر يجافى المنطق وفيه كثير من سوء التقدير! كيف تترك الدولة مشروع كهذا لمزاج وأجندة المانحين.
كم عدد الأجانب الآخرين فى السودان؟؟ لا أحد يعلم؟
ماهى الاعباء الموكلة لإدارة شؤون الأجانب التابعة للإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية؟
لماذا تترك شرطة الأجانب الأهداف الاستراتيجية كأنشاء قاعدة بيانات للاجانب ، علما بأن هذه الإجراءات أصبحت على مستوى العالم تتم عبر الشبكات دون حضور الأشخاص طالما تم إدراجهم فى قاعدة البيانات.
تسجيل اللاجئين بواسطة معتمدية اللاجئين و المفوضية السامية لشؤون اللاجئين غير ذى جدوى للأمن القومي للبلاد أولا لطبيعة البيانات التى يتم جمعها وثانيا ما تزال قاعدة البيانات هذه تحت إدارة أجنبية كما ورد أعلاه وهو وضع شاذ بكل المقاييس.
المقترح الوحيد الجاد والذى كان سينقذ هذه البلاد قدم للسيد وزير الداخلية الاسبق الفريق أول عز الدين الشيخ وتحمس له كعادته دائما ولكن لم تمهله الأيام إذ غادر منصبه بعد انقلاب أكتوبر٢٠٢١ م . بنى المقترح المشار إليه على أساس أن تسجيل الأجانب أمر أمن قومى ولا يمكن ربطه بالتمويل الأجنبي فجزء كبير من الأجانب لا يندرجون تحت ولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، قام المقترح على فكره تخصيص نافذة للرقم الأجنبي فى كل مجمعات الجوازات بالخرطوم وصالات التسجيل في الولايات بمعنى الاستفادة من المنشأت الموجودة، بموجب هذا المقترح فإن مدخلى البيانات بآلية تسجيل اللاجئين يتم توزيعهم على الولايات وتظل رئاستهم بالخرطوم للتنسيق فقط ، بالضرورة تكون هنالك حملات ملاحقة للأجانب لحثهم على التسجيل وتحصيل الرسوم منهم ومعاقبة من لا يسجل وطرده من البلاد أذا اقتضى الأمر ، لم نسمع عن بلاد تدار بالعاطفة وحسن النوايا غير هذه البلاد.
هذا المشروع اذا نفذ سيتم أدراج الأجانب فى الرقم الأجنبي فى فترة وجيزة جدآ.
ختاما نرى أن تستمر المعتمدية فى جهود الربط الشبكى مع السجل المدني وأن تعيد تكليف الأشخاص المتابعين لهذا الأمر فالمعتمدية يستحيل عليها تأهيل غيرهم بين ليلة وضحاها، كما نرى أن لا تعول الحكومة على تمويل أجنبي فى هذا الأمر الحيوى والهام.