
مجدي الروبي يكتب…
الليلة التي سقط فيها الوعد
ما بين النحيب المكتوم وصوت المحركات المتسارع تسرق مليشيا الجنجويد خطاها عبر جسر جبل أولياء مُحمَّلةً بما تبقى من الوهم. العتمة كانت تخفي الملامح المتعبة لكنها لم تستطع أن تغطي الذل الذي تسرب إلى العيون العيون التي كانت قبل شهور تلمع بالجبروت والوعود الكبيرة.
على طول الطريق تقف البيوت التي شغلوها بلا استئذان بيوت أُخرج أهلها تحت تهديد البنادق صودرت أحلامهم ليبيت فيها غرباء ينصبون سطوتهم المؤقتة فوق طاولات الأكل التي كانت قبل أشهر تجمع الأسر حول كسرة ساخنة وصحون الملاح. والآن حين اشتد الحصار لم يعد للبيوت قيمة، ولا للمحتلين ثقة في الخرائط القديمة.
حين كان الوعد أكبر من الواقع تلك الأيام كان دقلو يرفع يده وسط جموع من المحاربين يخبرهم أن النصر قاب قوسين أن الخرطوم ملكهم، وأن الحكم مسألة وقت لا أكثر. في الخلفية كانت أصوات الرصاص والموتى تُناقض خطابه لكن أحدًا لم يكن يجرؤ على السؤال لأن الجواب كان جاهزًا: الطاعة أو القبر.
والآن حين سقطت الخرطوم من بين أصابعهم مثل حفنة رمل حين ضاقت الجزيرة حتى لفظتهم وحين لم يبقَ لهم غير الجسر الطويل اكتشفوا فجأة أن الأوامر ليست أوامر، وأن الكبرياء المحشو بالدولارات لا يساوي شيئًا في وجه الحقيقة.
الرحيل بلا وجهة
وعربات تتزاحم رجال يخفون وجوههم خلف الشماغات أطفال يجهلون ما يحدث لكنهم يشعرون بالخوف المتراكم في الجو. الطريق إلى جبل أولياء ممتلئ بكل ما يدل على نهاية وعد زائف النساء اللواتي صدقن أنهن سيحكمن الخرطوم يجدن أنفسهن الآن في مقاعد الخلف، على طريق الفرار بينما رجالهن يتبادلون نظرات فيها قليل من الغضب وكثير من الندم.
في الخلف بيوت الخرطوم تطفئ أنوارها سكانها يخرجون من جحور الصمت ليروا كيف يهرب المحتلون وفي الأسواق تُتداول الحكايات كل شخص لديه قصة عن يوم اقتحموا بيته عن الليالي التي نام فيها أبناؤه في العراء عن الطمأنينة التي كانت عملة نادرة.
لكن الجنجويد لا يسمعون هذه الحكايات لأن صوت المحركات يغطي كل شيء ولأن عيونهم مشدودة إلى الطريق أمامهم. الطريق الذي لا يعرفون اين نهايته.