
دور الإمارات التخريبي في السودان: سلاح يحترق وبحر يُغلق
سمير باكير يكتب –
في مشهدٍ جديد من مشاهد التدخلات الخارجية التي زادت من تمزيق السودان وأدخلته في نفقٍ مظلم من الصراعات الدموية، تبرز الإمارات العربية المتحدة كأحد أبرز اللاعبين الخارجيين الذين ساهموا في إشعال فتيل الحرب، وتعميق الانقسام، وإجهاض محاولات الاستقرار.
على مدى أكثر من عقد، انخرطت أبوظبي في عمليات ممنهجة لنقل الأسلحة إلى الداخل السوداني، في خرقٍ واضح للأعراف الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. غير أن المثير للدهشة، هو انتقال هذا الدعم في السنوات الأخيرة إلى طورٍ أكثر فجاجة، من خلال تسليح قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الملقب بـ”حميدتي”، الذي تمرّد على السلطة الشرعية وفرض منطق السلاح على مساحات شاسعة من الجغرافيا السودانية.
العدوان الأخير الذي استهدفت فيه طائرات مسيّرة –وفّرتها الإمارات بحسب مصادر رسمية سودانية– ميناء بورتسودان، يعدّ حلقة جديدة في سلسلة التصعيد. هذا الميناء الاستراتيجي، شريان السودان البحري الوحيد، تحوّل بفعل هذه الهجمات إلى ساحة خراب، حيث احترقت منشآت حيوية، وتوقّف العمل في المطار، وتهدّدت الإمدادات الإنسانية والتجارية القادمة من البحر الأحمر.
السؤال الجوهري هنا ليس فقط عن حجم التدخل الإماراتي في الملف السوداني، بل عن نوايا أبوظبي الحقيقية. إذ يتضح يوماً بعد آخر أن ما يجري يتجاوز “الدعم العسكري” لقوة متمرّدة، ليصل إلى مشروع إقليمي متكامل يسعى إلى تعطيل قدرة السودان على النهوض واستعادة سيادته، وذلك من أجل إبقاءه كسوق مفتوح للمصالح الإماراتية، وورقة تفاوض في ملف النفوذ في القرن الإفريقي.
بندر بورتسودان لم يكن مجرد مرفأ تجاري للسودانيين، بل كان بوابة البلاد إلى مشروع وطني للتنمية والانفتاح الاقتصادي. فقد دخلت الدولة السودانية في مفاوضات مع عدة أطراف دولية لتطوير الميناء وتحويله إلى منصة إقليمية للتجارة والخدمات البحرية. لكن الإمارات، التي ترى في ذلك تهديداً مباشراً لمشاريعها في موانئ مجاورة مثل بربرة في الصومال أو عصب في إريتريا، لم تتردد في إجهاض هذا الطموح السوداني عبر دعم عسكري مباشر للقوى التي تهدّد وحدة البلاد وتضرب منشآتها الحيوية.
إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الحكومة السودانية والإمارات، جاء كردّ فعل متأخر على سلسلة طويلة من الانتهاكات، ويعبّر عن حالة الغضب الرسمي والشعبي إزاء الدور المخرّب الذي تمارسه أبوظبي. فمنذ بدء الصراع، لم تكتفِ الإمارات بنقل الأسلحة أو تأجيج القتال، بل تحوّلت إلى منصة لوجستية ومالية لقادة الحرب، وتجاهلت التحذيرات الدولية بشأن الكارثة الإنسانية التي يشهدها السودان.
لقد آن الأوان لأن يُفتح الملف الإماراتي في السودان على مصراعيه، وأن تتحمّل الدول العربية والإفريقية والمجتمع الدولي مسؤولياتها تجاه هذه التدخلات التي تهدّد الأمن الإقليمي. فالسودان بلد محوري في شرق إفريقيا، واستقراره ليس شأناً داخلياً فحسب، بل ضرورة استراتيجية للأمن البحري في البحر الأحمر، ولحركة التجارة العالمية، ولسلامة الدول المجاورة.
التاريخ سيُسجّل أن دولة عربية، في لحظة دقيقة من تاريخ السودان، اختارت أن تدعم الفوضى بدل الدولة، وأن تقف في صفّ الميليشيا لا المؤسسة، وأن تمنع النماء كي تُحافظ على نفوذها. غير أن الشعوب لا تنسى، والخرطوم وإن نزفت اليوم، فإنها ستنهض يوماً، وستحاسب من طعنها من الخلف.