مقالات الرأي
أخر الأخبار

على حافة الوطن (١٢) / العطش حين يشتد.. والبحر بلا ماء بقلم حياه حمد اليونسابي

على حافة الوطن (١٩) / العطش حين يشتد.. والبحر بلا ماء

بورتسودان / Savior media 24
حياه حمد اليونسابي

في الشرق السوداني، حيث تقف الشمس كأنها تُصلب على جبهة الأرض، وتبكي الأشجار في صمتٍ لا يُسمع له أنين، تدق أزمة المياه أبواب ولاية البحر الأحمر من جديد. مدينة بورتسودان، عاصمة البحر، وسيدة الموانئ، باتت تئنُّ تحت وطأة العطش، بينما الأمواج تتقافز في المدى وكأنها تسخر من أهلها: “أنتم على البحر.. وتموتون ظمأ؟”.

في السوق، يسير الناس برؤوس مثقلة بالأسى، يسألون عن الماء فلا يجدون إلا الطن وقد حلق في السماء. الطن؟ نعم، الماء هنا يُباع بالكيلو، وكأننا نشتري الذهب لا الحياة. تجاوز سعر الطن ألفي جنيه سوداني وربما أكثر، والمواطن البسيط، ذلك الذي يشرب من كفّه ويُطعم أبناءه من كدّه، بات بين مطرقة العطش وسندان الغلاء.

ليس الأمر جديدًا، بل هو جرحٌ قديم، لكن كلما حسبناه التأم.. نزف. شبكة المياه الحكومية صارت ذكرى، ومشروع الحل الجذري من النيل، حُلْمٌ يتمدد في خطابات المسؤولين أكثر مما يسير في الأنابيب. أما “آبار أرياب” و”سد أربعات”، فقد طالهم الإهمال، وارتبطت أسماؤهم في ذاكرة الناس بالوعود لا بالماء.

ثمّة مشهد يجسد هذه التراجيديا: امرأة مسنّة تحمل جركانة على رأسها وتخوض بها مسافة طويلة تحت شمسٍ لا ترحم، تسقي بها صغارها كما تسقي الأمل فيهم. من قال إن العطش لا يورث؟ إننا نرثه كما نرث الوطن.. بثقله ووجعه.

وفي الأثناء، تتراكم الأسئلة على موائد العطاشى: أين الدولة؟ أين خطط الطوارئ؟ أين أموال التنمية؟ ثمّة من يهمس في الطرقات: “ربما صار الماء تجارة أكثر ربحًا حين يُفتعل نُدرته”. ولا أحد يجيب.

على حافة الوطن، لا يُسمع صدى الصرخات. على حافة الوطن، تُصبح المياه حلمًا مؤجلاً، في ولاية اسمها البحر الأحمر، لكن قلبها بات رمادً

#sudan
#السودان
#بل_بس
#الامارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى