
*همس البوادي *
سعادسلامة
*رصاصة الفرح… ونزيف الوطن”
في كل مرة يُطلق فيها رصاص “الفرح” في مناسبة اجتماعية، يُكتب فصل جديد من الحزن في دفتر الوطن. رصاصة طائشة لا تفرّق بين طفل يلهو، وامرأة عابرة، وعابر سبيل لا ذنب له سوى وجوده في الزمان والمكان الخطأ.
قرار والي شمال كردفان، عبدالخالق عبداللطيف، بحظر استخدام السلاح في المناسبات الاجتماعية، تحت مظلة قانون الطوارئ، ليس مجرد إجراء أمني عابر، بل خطوة جادة تأخرت كثيراً. ففي ولاية أنهكتها الصراعات وتكدّست فيها الأحزان، لم يعد مقبولاً أن يتحول السلاح من أداة دفاع إلى وسيلة “احتفال” تحصد الأرواح وتشيع الفوضى.
أن يأتي القرار من منبر ديني في قلب مسجد الأبيض الكبير، فذلك ليس مجرد رمزية خطابية، بل رسالة واضحة بأن الأمن قيمة أخلاقية قبل أن يكون مسؤولية قانونية. وأن حماية الأرواح ليست مهمة الشرطة وحدها، بل واجب جماعي يبدأ من منازلنا ومناسباتنا وأعرافنا الاجتماعية.
الغرامات المشددة ومصادرة السلاح، كما أشار الوالي، قد تكون رادعاً فعالاً، لكنها لن تجتث المشكلة من جذورها ما لم يصحبها وعي مجتمعي حقيقي بأن الأمن ليس ترفاً، بل ضرورة حياتية. وما لم ندرك – نحن المواطنين – أن الرصاصة التي نطلقها في العرس قد تنهي حياة إنسان وتحوّل الفرح إلى مأتم.
شمال كردفان اليوم أمام فرصة لإعادة صياغة ثقافة التعامل مع السلاح، ليس فقط بالقانون، بل أيضاً بالتربية والمجتمع والإعلام والمسجد والمدرسة. إنها لحظة فارقة لا تحتمل التردد.