مقالات الرأي
أخر الأخبار

دارفور في القلب والخاطر: معركة فك حصار الفاشر معركتنا جميعاً بقلم: عصام حسن علي

دارفور في القلب والخاطر: معركة فك حصار الفاشر معركتنا جميعاً

بقلم: عصام حسن علي

تُعد دارفور من المناطق الاستراتيجية الحساسة في سوداننا الكبير، حيث ظلّت خلال سنوات الحرب الطويلة رمزاً للمعاناة والتحدي، وميداناً لمعركة الكرامة والهوية الوطنية. في هذا السياق، تأتي مدينة الفاشر، حاضرة شمال دارفور، ليست فقط كمسرح لجغرافيا الحرب وإنما كقلب نابض للصمود وعنوان لمعركة مصيرية يفترض أن تُكتب فصولها بحروف من صبر وإرادة وثبات لا تلين. معركة فك الحصار عن الفاشر ليست مجرد حدث عسكري فحسب، بل هي معركة وجود وسلامة وطنية، رمزٌ لكفاح شعبٍ يرفض الذل والتقسيم، ومطالبة حقيقية باستعادة المكان والزمان لما كانت عليه دارفور من عزّ وقوة.

منذ سنوات، تقف الفاشر محاصرة بنيران العنف والدمار الذي تسلطه عليها مليشيا الجنجويد المتمردة، المدعومة من قوى إقليمية نافذة، وعلى رأسها نظام أبو ظبي التي لم يتوانى عن دعم ممارسات العنف والعمل على تقويض الوحدة الوطنية في السودان. بالنظر إلى ذلك، يُدرك المتابع لملابسات الحراك والحرب في تلك الأرض أن المعركة لم تنتهِ بعد ، وأن النار لا تزال مشتعلة في قلب دارفور، مخلفة وراها مئات المأسي وحكايات الموت المجاني ، لكنها أيضاً متقدة كشمعة في انتظار الأمل والتغيير.

ليست الفاشر وحدها في هذا الحساب النضالي، بل تقف نيالا الجميلة، وزالنجي الخضراء، والجنينة الصامدة إلى جانبها، يربطها حلم واحد في إنتظار ساعة الانتصار التي ستتحرر فيها دارفور بكاملها ، هي ساعة تُكسر فيها القيود والسلاسل، ويعود الوطن إلى أصحابه، حرّا أبيا، بلا اغتراب ولا فقدٍ للهوية.
تلك الساعة ليست حلماً مستحيلاً، بل هي مشروع حاضر يتشكّل بوعينا وإرادتنا، مشروع يستهدف بناء سودان جديد يؤسس للعدالة والمواطنة .

إن تفكيك حصار الفاشر ليس مجرد تحدٍ عسكري أو إنساني، بل هو معركة تستعصي على تسطيح المعاني، إذ هي معركة كرامة وطنية ترتبط بوجود السودان كاملاً، واتصاله المستقبلي. كل رصاصة تُطلق دفاعاً عن الفاشر، وكل دم ينزف في سبيل تطهيرها، هو دفاعٌ عن السودان، عن وحدته وعن مشروع الحياة الكريمة لشعبٍ يُعاني من قسوة الحروب المؤجّلة والأجندات الخارجية.

هذا الجمع الوطني الذي يتوحّد من قلب العاصمة الخرطوم إلى تخوم الجنينة، ومن سنار إلى بورتسودان، يؤكد أن قضية دارفور ليست نزالاً إقليمياً معزولاً، وإنما هي قضية سودان بأكمله، متقداً بحلم العدالة والسلام.

ومع ذلك، يدرك كل متابع ومختص أن الحياد في هذه الظروف لم يعد من خيار الاحتمال، بل صار ترفاً لا يمكن تحمّله ، الفاشر ليست في معركة فردية ، ودارفور تعاني وحدها ، لقد شكّلت هذه الحرب إطاراً لوحدة وطنية غير مسبوقة، حيث وقف السودانيون جميعاً في صف واحد يرددون ذات الهدف : تحرير دارفور وإعادة بناء البلد على أسس صلبة من الحرية والكرامة والمساواة ، هذا التأييد الشعبي يشكل أكبر سلاح أمام كل المشاريع الهدامة التي تسعى لتفتيت الوطن وتمزيق نسيجه الاجتماعي.

ورغم ما يحمله الصراع من مأساة دفعت الآلاف إلى الألم والشتات، فإن شعلة الأمل ما زالت تتوهج وتتصاعد، كما لم تخبو أبداً. فالاصرار والإرادة الشعبية التي تجلت في الفاشر، برغم الحصار الشرس، تؤكد أن الانتصار حتمي، وبأن الفجر القادم يحمل معه استرداد نيالا، وعودة الحياة إلى زالنجي التي تهدّدها الرماد، وأغاني النصر التي ستعلو في الجنينة بعد سنوات من الألم والحرمان.

ختاماً، لا يمكن اعتبار معركة فك الحصار عن الفاشر نهاية للحرب القائمة، بل بداية حقيقية ومساراً واضحاً نحو النصر الذي لا يشكل مجرد انتصار عسكري، بل انتصاراً إنسانياً ووطنياً يتجسد في استعادة الوطن لكرامته وتعزيز وحدته بعد سنوات من التمزق. إن هذه المعركة، التي خلدتها التضحيات، لن تكون إلا الفصل الافتتاحي لمرحلة جديدة في تاريخ السودان، مرحلة يُبعث فيها الأمل من جديد، وتشرق فيها شمس السلام والعدالة على ربوع هذا الوطن الحبيب.

ونعيد قولنا ونتمسك به هو أن دارفور في القلب والخاطر ، ومعركة الفاشر معركتنا جميعاً ، والسلام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى