مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر_الكلمة جلال الجاك أدول أمدرمان تموت عطشًا… والنيل يمر من هنا

منبر_الكلمة

جلال الجاك أدول

أمدرمان تموت عطشًا… والنيل يمر من هنا

في أمدرمان، المدينة التي كانت تختزن في ذاكرتنا حيوية السوق الكبير ودفء الأحياء وضجيج الحياة على ضفاف النيل، تَخنقُها اليوم كارثة صامتة… عطشٌ قاتل وكوليرا تطرق الأبواب.

برميل الماء يُباع بـ 60 ألف جنيه سوداني ، وفي كثير من الأحيان لا يكون هذا الماء صالحًا للشرب. الكهرباء غائبة، والماء نادر، والدواء أبعد من الحلم. استهداف محولات الكهرباء الرئيسية أدى إلى شلل محطات المياه، فتوقفت الحياة كما يعرفها الناس في المدينة.

كارثة صحية تتفاقم بصمت. منظمة أطباء بلا حدود أعلنت عن تسجيل 500 حالة يُشتبه في إصابتها بالكوليرا خلال يوم واحد فقط، موزعة على أحياء مختلفة من ولاية الخرطوم. لكن هذه الأرقام لا تُدهش من يرى المواطنين يملؤون جرارتهم و الكوارو من مياه النيل مباشرة أو من آبار ملوثة.

أنا لا أكتب بصفتي كاتبًا يتابع عن بُعد، بل كشاهد. قبل أيام كنت في أمدرمان، والتقيت برجل خمسيني يُدعى عم حسن، كان يجلس منهكًا بجوار جركانة ماء وقال لي:
دي موية أنا جبتها من الحِلَة البعيدة، مشيت ليها من الفجر، وشلتها على كتفي. لما رجعت، لقيت بنتي الصغيرة مرمية من التعب والحرارة.
لم أملك ردًا. نظرت إلى الجركانة كما لو كانت من ذهب.

الناس يسألون:
أين الحكومة؟ أين لجنة الطوارئ؟ أين الدولة؟
أسئلة تُردّد في الشوارع أكثر من نداءات الأذان، فيما يزداد الشعور الجماعي بأن المدينة تُدفع دفعًا نحو الهاوية.

ما نواجهه ليس وباءً فحسب، بل انهيارًا عامًا:
بنية صحية متهالكة، مستشفيات بلا محاليل، أطباء بلا أدوات، ومواطنون بلا أمل. وحتى الآن، لا تحرك حكومي ملموس، ولا استجابة دولية بحجم الكارثة.

ومع ذلك، فإن بصيص الأمل لا يجب أن يُطفأ.

المطلوب الآن:
تدخل فوري لإعادة تشغيل محطات المياه ولو جزئيًا، توزيع المياه النقية عبر صهاريج متنقلة، توفير الأدوية والمحاليل الوريدية، وتكثيف حملات التوعية والتطهير.

المبادرات المجتمعية يجب أن تُفعّل.
هذا وطن لا يُنقَذ إلا بأيدي أهله، خصوصًا حين يغيب أصحاب القرار.

أمدرمان لا تطلب كثيرًا… فقط شربة ماء وجرعة إنسانية.

فهل من مُجيب… قبل أن يأتي الطوفان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى