مقالات الرأي
أخر الأخبار

علي حافة الوطن (٢٢) / “في طابور الألم.. لا دواء ولا رحمة”

علي حافة الوطن (٢٢) / “في طابور الألم.. لا دواء ولا رحمة”

بورتسودان/ حياه حمد اليونسابي

على حافة الوطن، هناك حيث لا تصل كاميرات الفضائيات، ولا تتعثر أقدام المسؤولين إلا لمامًا، يرقد المريض ليس على سرير طبي، بل على شظايا دولة…
دولةٍ أنهكها النزيف المزمن، وتخدّر فيها حسّ المسؤولية كما تُخدَّر أطراف المريض قبل بترها.

في عنابر المستشفيات الحكومية، حيث تتقاطع أنين المرضى مع لامبالاة الممرض، وتتشابك نظرات الألم مع نظرات الامتعاض، هناك حكايات لا تُروى، بل تُتأوّه.
الدواء مفقود، الطبيب مشغول، والممرضة تشتكي من سوء حالها أكثر مما تعالج سوء حال مريضها.

الكرامة تُسحق تحت عجلات عربة الإسعاف التي لا تصل،
والضمير ينسحب على رؤوس أصابعه من غرفة الطوارئ،
ليترك المريض وحيدًا في مواجهة الألم،
ومرافقه في صراع بين الرجاء والشتائم.

مواطنٌ يأتي يحمل مريضه على كتفه،
يخرج منهكًا محمّلاً بالإهانات،
يسألونه عن “التقرير الطبي”،
وكأن التقرير أثمن من الإنسان.

على بوابات المستشفيات،
لا تستقبلك ابتسامة،
بل تُفَتش كما يُفتَّش الداخل إلى ثكنة.
في الداخل، لا تُقاس درجة الحرارة، بل تُختبر درجة تحمّلك للمهانة.

كأن المرض لا يكفي،
كأنّ الوجع يحتاج إلى توقيع وتصديق وختم رسمي ليُعترف به،
وكأنّ المواطن ارتكب جريمة استحقّ عليها كل هذا الإهمال.

في دولةٍ أنهكتها الحروب،
تردي الخدمات الصحية ليس خبرًا طارئًا،
بل واقعًا مقيمًا،
مُوقّعًا عليه بختمِ “نحن آسفون… لا يوجد طبيب الآن”،
“انتظر حتى المناوبة القادمة”،
“اشترِ الحقنة من الخارج”…

في وطنٍ على الحافة،
حتى الشفاء أصبح حظًا،
والحظ لا يطرق أبواب الفقراء.

“في بلادٍ لا تُعالج إلا تقاريرها،
يُترك المريض ليواجه مصيره،
ويُطلب من الوطن أن يصمت احترامًا للوجع.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى