مقالات الرأي
أخر الأخبار

علي حافة الوطن (٢٤) / “تذكرة إلى الحياة… خارج القدرة”

علي حافة الوطن (٢٤) / “تذكرة إلى الحياة… خارج القدرة”

بورتسودان / حياه حمد اليونسابي

في بلادٍ تقف على قدمٍ واحدة، وبعينٍ واحدة تنظر إلى الغد، كل الطرق تؤدي إلى العجز.
السماء ليست مفتوحة، والبحر لم يعد زُرقةً في القصائد، والبر… صار كابوسًا طويلًا تنزلق فيه العجلات على صفيح الوجع.

تذاكر السفر ترتفع. جوًا، بحرًا، وبرًا.
ليس لأن البلاد تنعم بازدهار، بل لأنها تنكمش على نفسها كجلدٍ محترق، تُدار بمنطق السوق في غياب الدولة، وتُحدد فيها أسعار النجاة بمقاييس الربح لا الرحمة.

في ظل حربٍ لم تُبقِ إلا على التجار، يرتفع ثمن الطيران وكأن الجناح صار امتيازًا ملكيًا.
ترتفع تذاكر البواخر وكأن البحر صار طريقًا مذهبًا للملوك.
ترتفع أسعار البصات وكأن البرّ لم يعد من تراب، بل من حرير لا يطأه إلا من يملك.

والمريض؟
ذاك الذي أُغلقت في وجهه أبواب المستشفيات وانقطعت عنه الكهرباء والدواء؟
يُقال له: “ادفع كي تُعالج، أو انتظر الموت المجاني”.

في جغرافيا الحرب، المسافة بين مدينتين قد تساوي حياة، لكن لا أحد يُراعي أن الحياة تُصبح أبعد كل يوم لمن لا يملك ثمن التذكرة.
لا قوانين طوارئ تُراعي الطارئين.
ولا وزارة تنظر في أمر من سقط خارج الخرائط.

الوجع لا يُعطى تصريح مرور.
والمريض لا يُعفى من الجباية.
وفي كل تذكرة تُباع بسعر فلكي، يُرمى إنسانٌ خارج حدود الوطن، وإن ظلّ فيه.

هكذا يُصبح السفر رفاهية، والعلاج حلمًا، والنجاة عملةً نادرة… في وطنٍ يُقاتل فيه المواطن لا لأجل النصر، بل لأجل الوصول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى