مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر_الكلمة جلال الجاك أدول البراءة بعد العناء… حين انتصرت العدالة لجفور مكوي

منبر_الكلمة

جلال الجاك أدول

البراءة بعد العناء… حين انتصرت العدالة لجفور مكوي

في بلد تعوّدنا فيه على أن تُقفل الملفات في الظلام، وتُنسج التهم على عجل، يسطع اليوم خيط نور من محكمة القضارف، يحمل معه اسمًا ظلّ لشهور في دائرة الاتهام جفور مكوي ضوالبيت، المدير التنفيذي لمكتب والي القضارف السابق، الذي نال اليوم براءته كاملة، وعاد إلى أهله حرًا، عزيزًا، مرفوع الرأس.

ما جرى اليوم لم يكن مجرد حكم قضائي عابر، بل لحظة نادرة استردت فيها العدالة هيبتها، ورفعت الظلم عن رجل أُخذ من بين أسرته ببلاغ وُلد في بيئة مشحونة، واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد كانت هيئة الدفاع، بقيادة المحامي الجسور الدكتور علي الشايب (أبو دقن) ورفيقه الأستاذ محمد الفيل، بمثابة سورٍ منيع في وجه الاتهام الهش، وانتصروا للمنطق والقانون، وليس فقط لموكّلهم. فبعد جلسات متتابعة، استعرضت فيها المحكمة ملف البلاغ رقم 2024/9153، وجدت نفسها أمام حقيقة واضحة: لا أدلة كافية، ولا وقائع تدين، بل محاولة تصفية إدارية في ثوب قانوني.

جفور مكوي، الذي عُرف طيلة خدمته بانضباطه المهني والتزامه الوظيفي، لم يكن مجرد موظف عادي في مكتب الوالي، بل رجل يُشهد له بالتوازن والعقلانية. ولهذا كانت التهم الموجهة إليه صادمة لمن عرفوه عن قرب، ولمن عرفوا كيف تدار أحيانًا صراعات المواقع خلف الأبواب المغلقة.

مشهد خروجه من قاعة المحكمة لم يكن عادياً؛ فقد توافد العشرات إلى المكان، واحتضنه ذووه بدموع ممزوجة بالفرح والكرامة، بينما علت الزغاريد من نساء في السوق و الحي، في لحظة إنسانية تختصر شهورًا من القلق والترقب والوجع الصامت.

ووسط أجواء عيد الأضحى المبارك، جاء الحكم بمثابة عيد آخر لأسرة مكوي؛ عيد العدالة التي لم تتأخر كثيرًا هذه المرة، فجمعتهم على مائدة الشكر لا الخوف، وعلى يقين بأن الحق لا يُهزم إذا وُجد من يذود عنه.

ما جرى اليوم يجب ألا يُنسى سريعًا. فبراءة مكوي تفتح الباب لسؤال أوسع كم من الأبرياء خلف القضبان الآن لأنهم رفضوا الخضوع أو لأنهم لم يمتلكوا ذات الحظ في فريق دفاع يقظ؟

إن تسييس العدالة لا يفتك بالمظلوم فقط، بل يفتك بالدولة كلها. وإن حماية الموظف العام من الوقوع ضحية لتقلبات السياسة لا تقل أهمية عن محاربة الفساد ذاته. لا تُبنى دولة القانون بالبلاغات المفبركة، بل تُبنى على إجراءات عادلة، وأجهزة مستقلة، وضمير يقظ.

في النهاية، تظل العدالة مهما تأخرت هي صمام الأمان لهذا الوطن المنهك. وعدالة اليوم قالت كلمتها
جفور مكوي بريء… وللحق رجال، مهما ضاق بهم الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى