من الواقع* *مؤتمر ماليزيا حرب السودان* *المنسية* *بقلم: بروفيسور عوض إبراهيم عوض*

*من الواقع*
*مؤتمر ماليزيا حرب السودان* *المنسية*
*بقلم: بروفيسور عوض إبراهيم عوض*
*
ما أجمل أن تهتم الدول الصديقة بشأن السودان في زمانٍ قل فيه الوفاء وأصبح وجود الأصدقاء الحقيقيين أندر من العنقاء والخل الوفي. نقول هذا لأن الأسبوع المنصرم قد شهد وفاءاً لا يدانيه وفاء. وجاء هذه المرة من أقصى جنوب شرق آسيا، حيث انعقد في دولة ماليزيا الشقيقة لقاءٌ كله احترام، وكله تقدير، وكله عطف على وطننا الجريح السودان. تقاطر فيه عشرات المشاركين من الشخصيات ذات الوزن الثقيل وتفاكروا في كيفية إخراج السودان من براثن هذه المأساة التي حاقت به وكادت أن تقضي على خارطته من الوجود. وقد أطلقت الدولة المنظمة على هذا المؤتمر عنوان: (السودان الحرب المنسية). وبدأ الأمر حينما دعا وزير الخارجية الماليزي السيد محمد حسن كل الحادبين على مصلحة السودان من المجتمع الدولي ليتقاطروا صوب العاصمة كوالا لمبور ويتفاكروا في وضع أنجع السبل وأسرعها لحل معضلة السودان والبحث عن أسرع الوسائل لمعالجة الأزمة السودانية الإنسانية الراهنة. وكان الجميع قد أقروا أن السودان يعاني فيه أكثر من 11 مليون نازح داخليا، و18 مليون شخص، أي 37% من سكانه يتعرضون لخطر المجاعة التي بدأت بالفعل. وبالطبع فإن هذا لم يحدث إلا بسبب هذه الحرب اللعينة التي قضت على الأخضر واليابس من خيرات البلد الذي احتدم فيه الصراع من أقصاه إلى أدناه. ولم يشفع له أن منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) قد أصدرت بيانا في عام 1975م قالت فيه إن السودان هو سلة غذاء العالم المرتقبة. كان هذا المؤتمر (حرب السودان المنسية) قد انعقد يوم الاثنين الماضي في المعهد العالمي للدراسات الإسلامية المتقدمة بكوالا لمبور، وقد حضره حشد كبير من المختصين والمهتمين بشأن السودان وعلى رأسهم البروفيسور هنود أبيا كدوف الذي رشحته دوائر السودان بالإجماع قبل هذه الحرب ليكون رئيساً لوزراء السودان. وبالطبع فإن ذلك الترشيح الذي وصل إلى حد الإجماع على شخصه لم يأت من فراغ وإنما كان لنقاء سيرته وإخلاصه على مر السنوات لوطنه السودان منذ أن كان أستاذاً للقانون بجامعة الخرطوم، وقاضياً بالمحاكم السودانية، ومحامياً عرفته ساحات القضاء. حتى أن دوائر القضاء والمحاماة قد أوكلت إليه أن يضع امتحان المعادلة للقانونيين الجدد الذين يتقدمون للالتحاق بمهنة القضاء في السودان. وظل على رأس هذا الأمر لسنوات طويلة لم تنقطع إلا عندما خرج في بدايات التسعينيات ليعمل أستاذا للقانون بالجامعة العالمية الإسلامية بمالايزيا والتي أصبح عميداً لكلية القانون فيها لسنوات طويلة حتى عاد للسودان مرشحاً لرئاسة الوزراء. عموماً كان البروفيسور هنود هو الحاضر الأكبر في هذا المؤتمر (السودان الحرب المنسية)، وقد تحدث حديث العارفين عن مأساة بلده الراهنة واصفاً الحلول الناجعة التي يجب أن يتبناها كل حادب على مصلحة الوطن. وكانت كلمة وزير الخارجية الماليزي السيد محمد حسن الذي دعت بلاده لعقد هذا المؤتمر كلمة ذات أثر كبير وبعد منطقي حينما قال من ضمن حديثه: إن التحديات الإنسانية الشديدة التي تواجهها دولة السودان لا تحظى بتغطية كافية. وشدد على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات عالمية فورية وفاعلة لأن الأزمة الإنسانية في السودان هي واحدة من أشد المآسي التي شهدها العصر الحديث. وأضاف أنها لم تحظ بتغطية إعلامية كاملة. وعلى الرغم من وجود أكبر عدد من النازحين السودانيين إذا قسناهم بأعداد النازحين في أنحاء العالم المختلفة إلا أنه لا يزال يتم تجاهله إلى حد كبير. ولعل هذه الشهادة في حد ذاتها تكفي لأن يدق المؤتمرون ومن خلفهم المجتمع الدولي ناقوس الخطر من أجل الالتفات إلى مأساة هذا الوطن الجريح والتي ظل فيها أبناؤه يكابدون ويلات الاقتتال ويصارعون الصخر طوال ما يقارب العام والنصف في ظل عدوان ليس لهم فيه يد. وعلى كل حال فقد تفاكر المؤتمرون في كل كبيرة وصغيرة، وخرجوا بقناعة راسخة بضرورة مد يد العون للسودان وعدم تركه يسقط وحيداً في هذه الهاوية من الإحباطات، والتمادي في الغي، والسباحة ضد تيار العصر الذي ينادي بالسلام والتعمير لكل الأمم الفقيرة. وقال البروفيسور هنود أبيا لمن سألوه عن تقويمه لمخرجات هذا المؤتمر إنه متفائل جداً للجدية التي دارت بها الجلسات والأهمية التي وجدتها الأطروحات التي أدلى بها كل المشاركين. وقد شكر دولة ماليزيا التي أتاحت هذه الفرصة لوطننا وقدمت كل الدعم لهذه القضية التي أصبحت هي قضية الساعة لكل أبناء السودان. بقي أن نقول إن تكامل هذه الجهود يجب أن يستصحب في المفاوضات المرتقبة سواءٌ في جدة أو جنيف أو غيرها حتى يضع الجميع حداً لما يجري من حرب طال واستطال أمدها في بلد لا يقوى على أكثر مما عاناه حتى الآن.