مقالات الرأي
أخر الأخبار

بروف احمد عبيد حسن يكتب : (رؤية خاصة) فلنحوّل قرار الدمج إلى فرصة إصلاح لا تكرار إخفاق

بروف احمد عبيد حسن يكتب : (رؤية خاصة)
فلنحوّل قرار الدمج إلى فرصة إصلاح لا تكرار إخفاق.

قرار رئيس الوزراء بدمج وزارتي الصناعة والتجارة في وزارة واحدة، يفتح الباب أمام نقاش جاد ومسؤول حول أفضل السبل لتفعيل هذا التوجه بعد ان أصبح واقعا، وتحويله من مجرد خطوة إدارية إلى إصلاح مؤسسي حقيقي يخدم أهداف التعافي الوطني والتنمية الاقتصادية المستدامة في السودان، لا سيما في سياق ما بعد الحرب الذي تتعاظم فيه الحاجة إلى وضوح الرؤية، وترشيد الموارد، وتكامل الجهود.
في هذا الصدد، ورغم عدم استحساننا لهذه الخطوة في مقالنا السابق، لا بد أن نبدأ بالإقرار بأن فكرة الدمج ليست جديدة على المستوى الإقليمي والدولي وأيضا المحلي، وأن هناك نماذج ناجحة استطاعت من خلالها حكومات عديدة أن توحّد بين الصناعة والتجارة في وزارة واحدة دون أن تُضعف من فاعلية أيّ من القطاعين، بل على العكس، استفادت من التكامل بين السياسات الصناعية والتجارية في دفع عجلة التنمية. كما أن مقالات عدة ظهرت مؤخرًا – من بينها ما نُشر تحت عنوان “تكامل الصناعة والتجارة: صدق الهدف وتحقيق الأمل” – قدّمت وجهة نظر داعمة لهذا التوجه، مؤكدة أن المشكلة ليست في شكل المؤسسة، بل في وظائفها، وأدواتها وقدراتها المؤسسية والبشرية. وهذا طرح يستحق التوقف عنده والبناء عليه.
الرؤية المؤيدة للدمج بيّنت، بقدر من المنطق، أن وجود وزارة واحدة يمكن أن يسهم في توجيه مداخيل التجارة لخدمة أهداف التصنيع، كما يساعد في بلورة رؤية متكاملة لما يجب تصنيعه وما ينبغي تصديره، استنادًا إلى مفاهيم القيمة المضافة والميزات النسبية والتنافسية. وقد شددت كذلك على أن نجاح الدمج مرهون بكفاءة الوزير ووكلائه، وقدرتهم على تنسيق السياسات وتوجيه الموارد نحو تحقيق أهداف استراتيجية تشمل النمو الصناعي، الابتكار، وتعظيم سلاسل القيمة.
هذه الرؤية – رغم وجاهتها – لا تنفي وجود محاذير كبيرة، إذا لم يتم استباق عملية الدمج بتصميم مؤسسي واضح المعالم، يضمن ألا تطغى وظيفة على أخرى، أو أن تُهمل ملفات رئيسة بحكم ضغط الملفات أو ضبابية التوصيفات الإدارية. فالصناعة ليست ملحقًا بالتجارة، كما أن التجارة ليست قناة صرف لمنتجات غير مدروسة صناعيًا. نحن أمام قطاعين حيويين، لكلٍ منهما خصوصية ومجموعة أهداف ومسارات تنفيذ تحتاج إلى أدوات متمايزة وبيئة تنفيذ مختلفة.
إن دمج الصناعة والتجارة يمكن أن يكون فرصة تاريخية لإعادة هندسة السياسات الاقتصادية في السودان، لكنه أيضًا يحمل في طياته مخاطر إذا لم يصحبه وعي كامل بحجم التحدي، وبالتمييز الضروري بين ما هو “تنظيم إداري” وما هو “وظيفة سيادية اقتصادية”. فالوزير، مهما بلغ من الكفاءة، لن يصنع فرقًا ما لم يُعطَ تفويضًا واضحًا، ويُحَاط بهيكل تنفيذي محترف، ويُدعم بخارطة طريق واضحة الأهداف والوسائل.
لذلك، فإن المدخل السليم نحو إنجاح هذا الدمج، يكمن في التعامل معه كفرصة إصلاح لا تكرار إخفاق. وهذا يتطلب أولًا، تصميم هيكل مؤسسي داخلي واضح للوزارة المدمجة، يُبقي على قطاعين متمايزين للإدارة والتخطيط والتنفيذ، أحدهما للصناعة والآخر للتجارة، يقودهما وكلاء متخصصون، ويتبعان برامج وموازنات منفصلة، تحت سقف تنسيقي مشترك يُمثله الوزير، دون تداخل أو تضارب في المهام.
وثانيًا، لا بد من تأسيس ذراع فني للوزارة الجديدة يعنى بالتخطيط الصناعي الاستراتيجي، يعمل على رسم خارطة الطريق للتصنيع الوطني، بالتنسيق مع وزارات الزراعة، والثروة الحيوانية، والمعادن، والاستثمار، والتعليم الفني، ويضطلع بدور حيوي في تحديد أولويات الإنتاج، واستيعاب مدخلات التجارة الخارجية في بناء قواعد صناعية متينة.
وثالثًا، لا يكتمل هذا الجهد دون تمكين الوزارة المدمجة من أدوات فعّالة في التنسيق مع القطاع الخاص، ومراكز البحوث، خاصة مركز البحوث والاستشارات الصناعية (الذي يتبع أصلا لوزارة الصناعة)، والجامعات، لخلق ديناميكية مؤسسية تفضي إلى قرارات تستند إلى البيانات والتحليل لا الارتجال. كما أن الدور الاستشاري والبحثي للوزارة لا يقل أهمية عن دورها التنفيذي، خصوصًا في ظل الحاجة الماسة لتحديث مدخلات الإنتاج، وتحسين التنافسية، وبناء قدرات الصناعات الصغيرة والمتوسطة في كل أقاليم السودان.
في الوقت نفسه، فإن التخطيط لنجاح الدمج ينبغي أن ينطلق من الإيمان بأن الصناعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل ركن من أركان الأمن القومي، ومصدر استقرار ورافعة أساسية لبناء المجتمع، وتوسيع قاعدة التشغيل، وتحقيق الاعتماد الذاتي في المواد الحيوية. وبالتالي، فإن أي خطوة تؤثر على كفاءة هذا القطاع، أو تُضعف صوته داخل المنظومة الحكومية، قد تكون لها آثار طويلة المدى يصعب تداركها.
ختامًا، بهذا الفهم لا نرفض الدمج من حيث المبدأ، بل ندعو إلى تفعيله برؤية استراتيجية، تُحسن تصميمه، وتضع له أدوات تنفيذ قابلة للقياس، وتُبقي على خصوصية كل قطاع داخل الوحدة الجديدة. وبهذا، يمكن أن يتحول قرار الدمج إلى محرك إصلاح عميق، لا إلى إعادة إنتاج إخفاقات إدارية سابقة، ظلت تتكرر بسبب غياب الرؤية، وضعف التنسيق، وغياب المهنية المؤسسية.
ولنُجمع، في هذا الظرف الحرج من تاريخ البلاد، على أن التحديات الراهنة لا تعالج بتبديل العناوين، بل بإعادة تعريف الوظائف، وتفعيل التنسيق، وإطلاق القدرات الكامنة في مؤسسات الدولة، حتى نبلغ ما نرجوه من نهوض صناعي وتجاري يسند الاقتصاد، ويؤسس لسلامٍ دائم وتنمية شاملة.
شكرا لكل اعضاء ( منبر الصناعة ) وللقائمين على إشرافه بحثا وتحليلا وتشخيصا لمعوقات الصناعة بوضع حلولها المناسبة للنهوض بالقطاع الصناعي بالبلاد بعد اعمار مادمرته الحرب اللعينة وبعد ان يحظى كذلك ويدعم بقيادة فاعلة قريبا تترجم كل ماطرح من اقوال وافكار وآراء الي برامج وخطط ومشروعات واعمال نافذة ملموسة خلال المرحلة المقبلة.
وبالله التوفيق،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى