
عبق الحروف
الحرفيون… عماد الإعمار وشركاء الأمل
بدرالدين عبدالقادر
في وطنٍ أنهكته الحرب التي فرضت على شعبه الصامد، وخلفت على أرضه الخراب والأنقاض ينهض الحرفيون اليوم كأملٍ متجدد وأداة فاعلة لإعادة الإعمار والبناء. فهؤلاء الذين كانت أيديهم دومًا مشغولة بالكدّ والعمل هم اليوم أحوج ما يكون الوطن إليهم في معركة الترميم والنهوض.
الحرفيون ليسوا مجرد عمالٍ مهرة بل هم شركاء في التنمية وعصبٌ رئيس في دفع عجلة الإقتصاد الوطني لا سيّما في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تصبح كل يدٍ قادرة على العمل ركيزة في مشروع البناء الكبير. وفي ظل اقتراب تشكيل حكومة الأمل برئاسة الدكتور كامل الطيب إدريس تلوح أمام البلاد فرصة تاريخية لوضع السياسات الكفيلة بتمكين الحرفيين وإدماجهم فعليًا في مسارات التنمية والإنتاج.
إن إعادة الإعمار لا تكتمل دون خطة إستراتيجية واضحة لدعم هذه الشريحة تبدأ بإنشاء بنك مختص بتمويل المشروعات الصغيرة لأصحاب المهن الحرفية والمهارات اليدوية كأداة تحفيز وتمكين اقتصادي مباشر، وتستمر بالاهتمام بالتأهيل والتدريب المهني. ولأجل ذلك، تبرز الحاجة الماسة لتأسيس مجلس أعلى للتدريب المهني يكون مسؤولًا عن صياغة برامج تأهيل متطورة تتماشى مع متطلبات السوق المحلي والإقليمي. ومن المفيد في هذا السياق الإستفادة من تجارب دول أخرى نجحت في تحويل الحرف والمهن اليدوية إلى صناعات منتجة تسهم في زيادة الناتج المحلي وخلق فرص العمل.
أما المرأة الحرفيةفهي قوة عاملة ضخمةيجب أن تنال حقها في الدعم والتمكين عبر حصرها وإدراجها في خطط الدولة الإنتاجية فهي تملك قدرات ومهارات تساهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي للأسرة والمجتمع لكنها لا تزال مهملة في السياسات التنموية رغم ما لها من دور محوري.
ولا يمكن الحديث عن تطوير الحرف دون إعادة النظر في مواقع الورش والمناطق الصناعية إذ لا بد من إخراجها من الأحياء السكنية وتخصيص مجمعات ومدن إنتاجية متكاملة البنى والخدمات تضمن بيئة عمل آمنة ومنظمة وتسهم في تحويل الحرف من أعمال هامشية إلى مشاريع اقتصادية حقيقية.
ومن الجوانب التي تستدعي اهتمامًا عاجلًا أهمية المساق الصناعي في مناهج التعليم وضرورة تطويره ليواكب حاجات السوق. كما يجب إزالة الفهم المغلوط لدى بعض الأسر ممن يرفضون أن يلتحق أبناؤهم بالمساقات الصناعية والفنية ويفضلون المساق الأكاديمي فقط رغم أن مستقبل التنمية المستدامة يتطلب تنوعًا في التخصصات واعترافًا متساويًا بقيمة كل مسار علمي أو فني.
إن بناء وطنٍ جديد، لا يقوم فقط على نوايا طيبة وشعارات مرفوعة بل على عملٍ يومي شاق يقوده أبناء الوطن بأنفسهم. ووسط هذا المشهد يجب ألا نغفل عن طاقة الحرفيين فهم ليسوا بديلاً مؤقتًا، بل شركاء دائمون في البناء، يستحقون أن نضعهم في قلب المعادلة.
نفحة من اخر العبق
هي دعوة للحكومة المرتقبة ولكل مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لاحتضان الحرفيين وتحويل طاقاتهم إلى مشاريع إنتاج. ولعل من المفيد هنا أن نورد إحصائيات دقيقة حال توفرها عن عدد الحرفيين ومجالاتهم لتعزيز التخطيط والتوجيه. فالأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها وكل ساعد يُسهم في البناء هو استثمار في الغد.