وقف إطلاق النار بعد وابل الصواريخ: تراجع إسرائيلي في غزة تحت ضربات إيران بقلم سمير باكير

وقف إطلاق النار بعد وابل الصواريخ: تراجع إسرائيلي في غزة تحت ضربات إيران
سمير باكير يكتب –
بعد مرور الایام من التوتر العسكري غير المسبوق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تم الإعلان عن وقف لإطلاق النار، لم يقتصر على إنهاء المواجهة المباشرة بين الجانبين، بل مهّد الطريق أيضاً لإنهاء الحرب المستمرة في غزة، وهي الحرب التي تجاوزت شهور متمادیة دون أن تفلح جميع المبادرات الدولية في إيقافها، بسبب إصرار تل أبيب على مواصلة المعركة حتى “القضاء الكامل على حماس”.
غير أنّ التطورات الأخيرة حملت منحىً مختلفاً تماماً، وكان في قلب هذا التحول: الضربات الاستراتيجية التي وجهتها إيران إلى العمق الإسرائيلي، والتي غيّرت الحسابات السياسية والعسكرية في تل أبيب.
من الضربات الإيرانية إلى تبدّل الموازين في تل أبيب
في أعقاب الهجمات الصاروخية المكثفة التي نفذتها إيران على أهداف عسكرية وبُنى تحتية إسرائيلية حساسة، اعترفت مصادر أمنية إسرائيلية بأنها “كانت الأشد ضرراً منذ سنوات”. هذه الهجمات أجبرت صنّاع القرار في تل أبيب على مواجهة واقع جديد: حرب متعددة الجبهات، بينما لم تعد الجبهة الداخلية الإسرائيلية آمنة كما كانت.
ورغم أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية اعترضت عدداً من الصواريخ، إلا أن بعض الصواريخ أصابت أهدافاً استراتيجية، مما أحدث صدمة نفسية لدى الجمهور الإسرائيلي وزعزع الاستقرار داخل الحكومة.
وفي هذا السياق، كشفت تسريبات من داخل المؤسسة الأمنية أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع إيران، لن يتحقق ما لم يشمل أيضاً إنهاء الحرب في غزة. وهذه كانت لحظة التراجع الاستراتيجي الصامت عن شعار “لا وقف للحرب قبل إنهاء حماس”.
نتنياهو يعترف ضمناً بالتراجع
رغم إصرار رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو في تصريحاته العلنية على استمرار القتال ضد حماس قائلاً: “لن أتراجع عن هدف القضاء على حماس”، إلا أن التسريبات من داخل جلسات الحكومة كشفت تحولاً جوهرياً في الموقف.
فقد نقل عنه قوله:
> “إسرائيل لا تنوي البقاء في غزة. وخلال فترة وقف إطلاق النار، ستبقى قوات الجيش فقط في نطاق أمني محدد، على عمق لا يتجاوز ٢٥٠ متراً داخل القطاع.”
هذا التصريح، بمضمونه العملي، يمثل تراجعاً واضحاً وقبولاً ببقاء حماس كفاعل سياسي وعسكري، وهو ما لم يكن وارداً قبل الهجمات الإيرانية.
ربط ملفي إيران وغزة: انتصار لمحور المقاومة
للمرة الأولى منذ سنوات، يتم الربط بشكل عملي بين الملفين الإيراني والفلسطيني. ما كانت طهران تدعو إليه نظرياً طيلة عقود، أصبح اليوم حقيقة على الأرض وفي طاولات التفاوض.
فقد بات واضحاً أن وقف إطلاق النار مع إيران لم يكن ممكناً دون إدراج غزة كجزء من الحل، وهو ما يعكس نجاحاً استراتيجياً لإيران في فرض منطق “وحدة الجبهات”، ويجعل منها طرفاً حاسماً في معادلات المنطقة.
وبحسب مصادر إعلامية إسرائيلية، فإن هذا الربط لم يأتِ نتيجة ضغط أميركي فحسب، بل نتيجة خوف تل أبيب من استمرار الحرب مع طهران، وما قد تحمله من مخاطر وجودية.
تداعيات استراتيجية للاتفاق
يحمل وقف إطلاق النار تداعيات متشعبة، منها:
بالنسبة لإيران: تعزيز دورها كقوة ردع إقليمية، وتكريس مكانتها كفاعل أساسي في المعادلة الفلسطينية.
بالنسبة لإسرائيل: تراجع عسكري وسياسي، وانكشاف هشاشة الجبهة الداخلية، واحتمال تصاعد الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو.
بالنسبة لحماس: صمود بعد حرب استنزاف، والحصول على مكاسب سياسية، وإثبات القدرة على فرض شروط التهدئة من موقع القوة.
وقف إطلاق نار مفروض لا متفَق عليه
ما يُعرض اليوم كاتفاق لوقف إطلاق النار، هو في حقيقته نتاج توازن ردع جديد فرضته الهجمات الإيرانية على إسرائيل. وعلى عكس ما يروّج له نتنياهو، فإن هذا الاتفاق لم يأتِ من موقع القوة، بل نتيجة ضغط عسكري ونفسي واقتصادي متراكب.
وإذا كان التنفيذ العملي لهذا الاتفاق قد يواجه عراقيل أو محاولات تخريب، إلا أن أصل تشكله يعكس تغيراً نوعياً في المشهد الإقليمي، حيث لم تعد المقاومة فاعلاً ميدانياً فقط، بل أصبحت لاعباً رئيسياً في صناعة القرار الأمني والدبلوماسي في الشرق الأوسط.