مقالات الرأي
أخر الأخبار

على حافة الوطن(٢٦) : بورتسودان… حيثُ الصيف يعضّ بقلم حياة حمد اليونسابي

على حافة الوطن(٢٦) : بورتسودان… حيثُ الصيف يعضّ
: حياة حمد اليونسابي

بورتسودان

في بورتسودان، لا يهبّ الصيف، بل ينقضُّ…
يأتي بلا موعد، أو لعلّه يأتي دوماً لكنه هذه المرة جاء بأسنانه.
يمرُّ على المنازل التي لا نوافذ فيها، كأنّه لغمٌ حارٌّ انفجر في الفراغ.
يغلي البحر قربهم، ويغلي الماء في مواسيرهم، وتغلي الكلمات في حناجرهم دون أن تصل.

المدينة التي اعتادت أن تلبس الشمس كوشاح، تحوّلت إلى فرنٍ مفتوح…
الكهرباء تقطع حبلها كما تقطع الدولة وعودها،
والتيار يُصبح مثل السياسة: غائبٌ عند الحاجة، حاضرٌ فقط في البيانات الرسمية.

يُطفأ الضوء، فيضيع العرق في الظلمة،
تئنُّ المراوح في سكونها، تبكي الثلاجات بصمت،
ويذوب الحليب قبل أن يُرضع، وتذوب الصبرات في صدور الأمهات.

في محطة الشاحنات، شبّ حريقٌ من ورق إداري مبتلّ…
خللٌ لا يُسمّى، ومسؤول لا يُسأل، وأجهزة تحترق بقيمة الوطن،
كأنّ الكهرباء تُعاقَب على ثقتها بالدولة.

الناس هنا لا يطلبون شيئاً معجزاً،
يريدون فقط أن لا يكون الصيف عدواً، أن لا يكون العرقُ جريمة،
أن لا تُحاصرهم الحكومة بحرارة الطقس وصقيع الإهمال في آنٍ واحد.

بورتسودان تقف الآن على حافةٍ أخرى…
ليست حافة الجغرافيا كما اعتدنا، بل حافة الانفجار الشعبي الصامت،
ذلك الصمت الذي يشبه الماء الراكد قبل الطوفان.

فمن يُنقذ المدينة؟
من يعيد لها الكهرباء والماء والثقة؟
ومن يُطفئ حريق الإدارة قبل أن يحرق ما تبقى من البلاد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى