مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر_الكلمة جلال الجاك أدول الخرطوم تُجدّد أنفاسها جسور الإرادة تعود للحياة على مدار الساعة!

منبر_الكلمة

جلال الجاك أدول

الخرطوم تُجدّد أنفاسها جسور الإرادة تعود للحياة على مدار الساعة!

في مشهد نادر من مشاهد العزيمة الوطنية، وقفت الخرطوم مساء أمس على عتبة لحظة فارقة. لم تكن مجرّد لحظة إعلامية أو استعراض سياسي، بل كانت لحظة مواجهة حقيقية بين الإرادة والتحدي. وسط غبار الحرب وركام الجسور، وقف رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس إلى جانب والي الخرطوم الأستاذ أحمد عثمان حمزة، ليعلنا بصوت واحد بداية جديدة لأحد أكثر ملفات البنية التحتية إلحاحًا: إعادة تأهيل جسري الحلفايا وشمبات، اللذين مزّقتهما نيران الحرب وقطعتا شرايين التنقل بين ضفتي العاصمة.

الحوار الذي دار أمام الكاميرات لم يكن معدًّا سلفًا، بل جاء عفويًا ومباشرًا، يعكس روحًا جديدة في إدارة الشأن العام. سأل كامل إدريس بصوت حاسم: هل يمكن الشروع فورًا في العمل وفق ورديات تستمر على مدار الساعة؟، فلم يتردّد الوالي لحظة واحدة وأجاب بثقة: بنقدر.، ردّ اختصر المسافة بين القول والفعل، لتأتي العبارة الختامية من رئيس الوزراء على بركة الله ، لتتحوّل الكلمات إلى تعهّد رسمي، وأمل شعبي.

هذه هي الدولة التي ينتظرها السودانيون؛ دولة تنزل إلى الميدان، لا تكتفي بالخطط، بل تبدأ بالتنفيذ، وتزرع الطمأنينة في نفوس المواطنين الذين أنهكتهم الحرب واليأس. حضور كامل إدريس، الرجل المعروف بتاريخه في القانون والدبلوماسية الدولية، لم يكن شكليًا، بل كان تجسيدًا لنهج جديد يتجاوز المركز المغلق نحو الشارع المفتوح، نحو الجسر المحطم الذي يحتاج لاجتماع العقول والسواعد معًا. إلى جانبه، يقف الوالي أحمد عثمان حمزة، الذي لم يعد اسمه يُذكر دون أن يُقرن بلقب “الوالي الميداني”، الذي يفضّل الحركة على الخطابة، والميدان على المنصة.

جسر الحلفايا، ذلك النبض الشمالي الذي يربط أم درمان بالخرطوم بحري، تحوّل في الأيام الماضية إلى شاهد على الدمار. منذ افتتاحه في 2011، كان الجسر مثالًا للهندسة الحديثة بطول يقارب الكيلومتر وعرض مريح للمركبات، لكن ما فعلته الحرب به كشف هشاشة السلام، وأهمية أن نعيد التفكير في معنى الإعمار الحقيقي. إلى جانبه، يقف جسر شمبات، الجسر العتيق الذي يحتضن ذاكرة العاصمة منذ 1965، ويربط ضفتي المدينة عند مقرن النيلين، وقد صار اليوم جسرًا بين التاريخ والدمار، ينتظر أن تُعاد له الحياة كرمز للمصالحة والتجدّد.

اليوم، لا تُقاس الجدية بالنوايا الحسنة، بل بالتحرّك الفعلي. وقرار العمل بورديتين، نهارية وليلية، يعني أن عجلة الإصلاح لن تتوقف عند نهاية النهار أو بداية الليل، بل ستدور على مدار الساعة، في سباق مع الزمن لا يهدف إلى لفت الأنظار، بل إلى رفع الأنقاض عن روح الخرطوم. هذا القرار لا يمثل مجرد جدول زمني، بل تعهّدًا أخلاقيًا بأن الدولة ستكون حيثما كان الألم.

إن ما جرى أمام أعين السودانيين ليس فقط بداية صيانة لجسرين، بل بداية عبور من ضفة الحرب إلى ضفة الحياة. الخرطوم التي اختنقت بالدخان والأنقاض، تتلمس الآن طريقها نحو الهواء. فهل نكون بالفعل على أعتاب عبور وطني نحو الأمل؟

نحن نتابع ونترقّب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى