علي حافة الوطن – “هنا لا تحتاج للخيال.. فقط راقب التفاصيل.” بورتسودان / حياه حمد اليونسابي

علي حافة الوطن –
“هنا لا تحتاج للخيال.. فقط راقب التفاصيل.”
بورتسودان / حياه حمد اليونسابي
في بلدٍ كلما أدخلوه غرفة الإنعاش، قطعوا عنه الكهرباء.. وفي وطنٍ لا يشتكي الجرح بل يحتفي بالسياط، يستيقظ المواطن السوداني ليجد الدولار الجمركي قد صعد، لا بهدوء، بل بوقاحةٍ معلنة.
صعد كما يصعد الدخان من سيجارة حاكم مرتاح، ينفثها في وجه شعب يركض خلف الرغيف والوقود وشبكة الإنترنت.
الدولار الجمركي لم يعد أداةً لضبط السوق، بل صار سوطاً اقتصادياً يجلد به من تبقّى من الطبقة الوسطى، تلك الطبقة التي أصبحت شائعةً لغوية أكثر منها حقيقةً اجتماعية.
ومع ارتفاع الدولار الجمركي، قفزت أسعار الوقود مثلما تقفز أسلاك الكهرباء في حي شعبي عندما يعود التيار بعد غياب.. ثم يختفي فجأة، دون سابق إنذار.
الوقود؟ صار سلعة فاخرة تُحسب بالقطارة، وكأن الوطن يعيش على رئةٍ صناعيةٍ مدفوعة الأجر..
ثم، وعلى حين غفلة من الحياة، أُغلق باب واتساب الصوتي.
لا مكالمات.
لا همس بين الأحباب.
ولا شكوى تُقال من هاتف إلى هاتف.
ففي جمهورية الـVPN، تحتاج جواز مرور لتقول: “ألو”.
لكن السؤال ليس عن الارتفاعات، بل عن التوقيت.
لماذا تُعلن الحكومة عن رفع سعر الدولار الجمركي بعد منتصف الليل؟
ولماذا يختفي التيار الكهربائي تماماً في نفس الوقت؟
هل لأن الظلام أكثر حناناً على القرارات الصعبة؟
أم لأن الناس مشغولون بتجفيف العرق، لا بمراقبة السياسات؟
الربط ليس نظرية مؤامرة، بل مشهد متكرر:
تُرفع الأسعار، يُحظر الإنترنت، تنقطع الكهرباء..
فلا يبقى للمواطن غير الراديو العجوز، يقص عليه الأخبار القديمة،
ولا ضوء إلا ضوء الشمعة..
ولا احتجاج إلا في القلب.
على الحافة نقول:
إذا انقطع النور، احذروا القرارات.
وإذا أُغلق الصوت، افتحوا العين.
فمن يعجز عن قول “لا” جهراً،
سيُجبر على قول “نعم” في صمتٍ طويل..
يُدعى الوطن.