مقالات الرأي
أخر الأخبار

✍️ بقلم: زكي شيكو شمس الدين كباشي.. آخر الحُصون التي إن سقطت، سقط معها السقف على الجميع

✍️ بقلم: زكي شيكو
شمس الدين كباشي.. آخر الحُصون التي إن سقطت، سقط معها السقف على الجميع

في زمن تهاوت فيه الرموز، وتكسّرت فيه قلاع كانت تبدو منيعة، يظل الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، رغم كل التناقضات والإخفاقات، أحد آخر الأعمدة التي إن زُلزلت سيسقط معها السقف لا على رأسه فحسب، بل على رؤوس الذين صنعوا الوهم، وبنوا عليه دولة نخبوية مترهلة تنهش في جسد الوطن منذ الاستقلال.

الكباشي ليس مجرد قائد عسكري، ولا مجرد واجهة سياسية مؤقتة. إنه مشروع صراع طويل بين المركز والهامش، بين الدولة العميقة ومشروع الدولة العادلة، بين النخب المُترفة التي ورثت السلطة والثروة، وبين المهمّشين الذين طالما استُخدموا في المعارك ثم تم رميهم في الظلال دون مكافأة أو اعتراف.

الحملة الأخيرة.. من يديرها؟ ولماذا الآن؟

ما يدور اليوم من حملات إعلامية مشبوهة وممولة ضد الكباشي، ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل هو بداية تنفيذ لتفاهمات دولية ومحلية تسعى إلى إقصاء كل صوت أو رمز خرج عن النص المرسوم للنظام النخبوي. فالرجل الذي وقف في لحظة ما في وجه الدعم السريع، وواجه أخطر معركة عسكرية عرفها السودان منذ عقود، بات اليوم مستهدفاً من ذات الجهات التي صمتت حين كانت الخرطوم تحترق.

الإشارات واضحة: “ترتيبات دولية” تُدار في الخفاء، تستخدم أدوات إعلامية محلية، صحفيات مأجورات، وناشطين إسفيريين، في محاولة لهز صورته، تمهيداً لاقتلاعه بهدوء. لكن السؤال الحقيقي ليس في الحملة ذاتها، بل في ما وراءها: من الذي قرر أن ساعة الكباشي قد حانت؟ ومن الذي يظن أنه قادر على دفع فاتورة عزله؟

داخل المؤسسة.. صراع مكتوم أم معركة كسر عظم؟

إن ما يحدث داخل المؤسسة العسكرية ليس مجرد تباين في وجهات النظر، بل هو صراع وجود بين من يرى أن الكباشي أصبح عبئاً على “التوازن الإثني”، وبين من يدرك أن سقوطه قد يعني انكسار إرادة كتلة اجتماعية كاملة، لم تُمنح يوماً حق القيادة، بل فُرض عليها أن تظل مقاتلة فقط.

من يهمس في أذن “الرجل الأول” بضرورة إقالته، يتجاهل أن التوقيت خاطئ، وأن البديل لا يملك ذات الحضور الرمزي ولا التأثير الميداني، بل الأدهى أن بعض المحيطين بالكباشي من داخل مؤسسته باتوا صامتين، متفرجين على مسرحية تنفذها أطراف خارجية، بأدوات داخلية، بثمن لن يستطيعوا دفعه.

مسؤولية لم يتجرأ عليها غيره

شمس الدين كباشي لم يكن مجرد قائد يجلس خلف المكاتب، بل حمل ملف المتحركات التي ما كان لأحد أن يجرؤ على إدارتها. أدار أصعب الجبهات في وقت كانت الدولة على وشك السقوط، وتحمل مغامرات ميدانية استراتيجية غيّرت خارطة الحرب بالكامل. جبل موية ليست إلا نموذجًا واحدًا لمعارك صنعت الفارق.

برؤيته وخطته، تحررت مدني، وانكسرت شوكة الدعم السريع في سنجة والنيل الأزرق، وامتدت ضرباته إلى عمق كردفان، حيث استرد الجيش توازنه في لحظات كانت الدولة تعيش على حافة الانهيار. حتى القيادات التي تتآمر اليوم على الكباشي، تدين له – شاءت أم أبت – بوجودها في مؤسسات ما كانت لتصمد ساعةً واحدة لولا صلابته.

الرسالة إلى النخبة: اللعبة اقتربت من نهايتها

إلى أولئك الذين يظنون أنهم يستطيعون التخلص من كل رمز هامشي يقف في طريقهم، نقول: هذه المرة الثمن سيكون باهظاً. فالكباشي، برغم كل شيء، هو خط أحمر، ليس لأننا نُقدّس الأشخاص، بل لأننا نُدرك حجم الخطر الذي قد ينتج عن كسره.

رسائل هذه المرحلة يجب أن تُفهم جيداً:

من داخل المؤسسة، لا بد أن تُدرك القيادات أن الكباشي يمثل توازنًا ضرورياً لمرحلة انتقالية خطرة.

إلى الدولة العميقة: اللعب مع الوقت والرموز سيعيد الحرب من جديد، لكن هذه المرة لن تكون حرباً تقليدية، بل حرب وجود وهوية.

وإلى الدول التي تراهن على إعادة تدوير الخرطوم القديمة عبر رموز جديدة: ما بعد حرب 15 أبريل ليس كما قبلها، والهامش لم يعد يتعامل بصبر الأجداد.

في الختام: الكباشي ليس معصوماً.. لكنه ليس وحيداً

نحن لا نقدّم للكباشي صك غفران، ولا نزعم أنه لم يُخطئ. لكنه في النهاية ابن الهامش، ورمزٌ لو كُسر اليوم، فلن يبكيه أهل الخرطوم أولاً، بل سيبكيه أولئك الذين قاتلوا دفاعاً عن دولة لم تفتح لهم أبوابها قط.

هذا المقال ليس دفاعاً عن رجل.. بل تحذيراً من لحظة إذا وقعت، فلن يجد فيها المتآمرون على الهامش سقفاً يحميهم من عاصفة الغضب القادمة.

> “احذروا من لحظة يصبح فيها السكوت خيانة، ويُصبح كل من صمت شريكًا في الخطيئة… الكباشي خط أحمر، ليس لأنه الأفضل، بل لأنه الأخير.”

زكي شيكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى