معركة جبل أبودموع – ديسمبر 2013، تحليل تاريخي وربط بالواقع الحالي (الدعم السريع، معركة الكرامة، تحولات المواقف قريش ٢ | أبودموع… حين بكت الجبال وقاتلت القيم بقلم: زكي شيكو

معركة جبل أبودموع – ديسمبر 2013،
تحليل تاريخي وربط بالواقع الحالي (الدعم السريع، معركة الكرامة، تحولات المواقف
قريش ٢ | أبودموع… حين بكت الجبال وقاتلت القيم
بقلم: زكي شيكو
المكان: غرب الدلنج – جنوب كردفان
الزمان: ديسمبر 2013
المشهد: جبل أبودموع… حيث يتجسد الحزن في هيئة صخور، وتسكن الدماء في طيات التراب.
في هذا الجبل الحزين، لم يكن البكاء ضعفًا، بل كان تحذيرًا، وكان الدمع نذيرًا لمعركة ستدوَّن في سفر الكرامة… معركة تُحكى للأجيال لا باعتبارها حدثًا عابرًا في دفتر الحرب، بل لأنها مثلت نقطة تحول في ضمير المقاومة السودانية ضد التوحش المركزي، وضد كل من باع الأرض واستباح العرض.
—
المواجهة: هجوم بجيش النظام وولادة جديدة للمبدأ
كان ديسمبر يودع عامه الأخير، حين دفعت حكومة الخرطوم بقواتها الجديدة المسماة “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حمدتي)، وقد بلغ عدد المتحرك ما يزيد عن ٢٠ ألف مقاتل، جاؤوا مدججين بالسلاح وبأوهام النصر، ظنًّا منهم أن الجبل سيسجد كما سجدت الخرائط من قبل، وأن الأرض ستبيع أهلها كما باعتهم الخرطوم من قبل.
لكن ما لم يعرفوه أن أرض الدلنج، وجبل أبودموع تحديدًا، لا تُحكم بالقوة، بل بالمبادئ، ولا تفتح أبوابها إلا لمن قدّس الشرف، واحترم دماء أهلها.
—
قيادة المقاومة… رجال من صخر ونار
على الجانب الآخر من المعركة، كان هناك رجالٌ لا يعرفون غير الوقوف، لا تغريهم المرتبات ولا تُرهبهم الإمدادات، رجال من تراب الهامش وسند الجبال، في مقدمتهم:
العميد إسماعيل أحمد عبدالله،
العقيد آدم عمر كوه،
عيسى مهندس ، الذي أصيب بطلاق دهسًا بعربة العدو، لكنه ظل حيًّا كالقضية،
صالح نايل مسار،
عبود كارب إسماعيل،
محمد دار جواد عبدالله…
معهم وقف أبناء الحركة الشعبية، من الجناح الثاني، يضعون الوطن نصب أعينهم لا الكراسي، ويحمون المبادئ لا المناصب. لم يكن القتال حينها من أجل نفوذ، بل من أجل إنسان الجنوب، وعزة الأرض، وحرية الكلمة.
—
بطولات… تُروى كأنها من زمن الأساطير
رغم الفارق الكبير في العتاد والعدد، ورغم القصف الجوي والضرب الأرضي والهجمات المتكررة، صمد جبل أبودموع أربعة أيام كاملة.
أربعة أيام لم تنم فيها العيون، ولم تهدأ فيها البنادق، تحوّلت فيها الصخور إلى حلفاء، وأصوات الشهداء إلى نداءات للصمود.
استشهد ١١ بطلًا من أبناء المنطقة، لم يموتوا، بل زادوا الجبل شموخًا، وجعلوا من الأرض معراجًا للقيم النبيلة.
سُجّلت تلك المعركة كأول انتكاسة عسكرية مُهينة لمتحرك الدعم السريع منذ نشأته، حيث خسر العدو العشرات من جنوده وآلياته، وتكبدت قواته خسائر بشرية ومادية فادحة، بل واهتزت صورة “الجيش الذي لا يُقهر” الذي صنعه الإعلام المركزي.
—
الأخلاق أولًا… حتى في النار
في خضم الرصاص، لم تُنسَ القيم.
لم يُقتل أسير، لم يُغدر بمصاب، ولم تُستهدف القرى الآمنة.
فحتى في عز الانفجار، بقيت أخلاق المقاتلين من أبناء الهامش صافية كالماء.
لم يقاتلوا بكره، بل قاتلوا بدافع الكرامة.
لم يستهدفوا الجنود، بل استهدفوا السياسة التي زجّت بهم في أتون حرب لا أخلاق لها.
—
العدو… حين يتبدّل الوجه ولا يتغير الجوهر
اليوم، وبعد أكثر من عشر سنوات على معركة أبودموع، تتبدل الوجوه، وتتغير التحالفات.
الدعم السريع الذي قاتل أهل الجبل آنذاك بزي النظام، صار متمردًا اليوم يحارب الجيش.
أما الذين دافعوا عن أبودموع، فهم أنفسهم يقاتلون الآن إلى جانب القوات المسلحة، لا حبًا في المركز، بل حبًا في السودان الذي ما زالوا يحلمون به: حرًا، عادلاً، بلا تهميش ولا إقصاء.
وهكذا تنكشف الحقيقة:
من كانت بوصلته القيم، لا تضل طريقه.
ومن كانت وجهته الكرسي، سيتبدل موقفه كلما تبدل الظل.
—
أبودموع… رمز لا يُمحى
لم تكن أبودموع مجرد معركة، بل كانت شهادة ميلادٍ جديدة لفكرة الهامش المقاوم، الهامش الذي لا يُشترى، ولا يُبتلع، ولا يُنسى.
ستظل دماء الـ11 شهيدًا تذكّرنا بأن المعارك العادلة لا تُقاس بحجم العتاد، بل بحجم القيم التي تُحمل في القلوب.
وأن كل من قاتل في تلك الأيام الأربعة، قد وضع لبنة في مشروع السودان الجديد… السودان الذي نحلم به جميعًا، وندفع ثمنه كل يوم.
—
قريش ٢ قادمة…
هذه ليست نهاية الحكاية، بل بدايتها.
في قريش ٢، سنكتب التاريخ من زاوية الهامش، سنفضح الذين لعبوا بكل الأطراف، وسنروي بطولات لا يعرفها أحد…
فمن أبودموع الدلنج، الي طروجي ، هناك آلاف الحكايات المدفونة…
وآن أوان إخراجها للنور.