
الخنساء مجدي تكتب….
*الرباعية في غرفة الإنعاش… وأبوظبي تكتب شهادة الوفاة*
في لحظةٍ كانت تنتظرها المليشيا بشغف ويترقبها اعوانها كمخرج سياسي محتمل للحرب، أُسدل الستار – بصمت مُهين – على اجتماع الرباعية في واشنطن. لا تأجيل رسمي، لا مؤتمر صحفي، لا بيان ختامي فقط تسريب “مُنتقى بعناية” إلى صحيفة الشرق الأوسط
هكذا انهار اجتماع الرباعية قبل أن يبدأ. والغريب أن الانهيار لم يأتِ من فرقاء الحرب ولا من صعوبة توسيع التمثيل المدني بل من داخل الجسم الرباعي نفسه وتحديدًا من رئةٍ تبث سمومًا في الجسد: أبوظبي.
لماذا أُجهضت الرباعية؟
السبب لا يحتاج إلى تحليل معقد باختصار الإمارات خرجت عن الصف
أرادت فرض بند صادم في البيان الختامي إقصاء الجيش ومليشيا الدعم السريع من المرحلة الانتقالية دون توضيح من هؤلاء “المدنيين” الذين سيحكمون السودان ثم ذهبت أبعد من ذلك بمحاولة شرعنة حكومة “تأسيس” تلك المسرحية الهزلية التي وُلدت على وسائل التواصل الاجتماعي قبل الاجتماع بساعات
ما الذي تريده أبوظبي؟ ببساطة إزاحة حميدتي وتقديم عبد الرحيم كـ”بديل ناعم” مع إعادة تدوير عملائها من مجموعات صمود وتأسيس في السلطة أربعة عصافير بحجر واحد وصفقة سياسية على جثة السودان!
لكن الحسابات لم تسير كما خططت المخابرات الإماراتية فالسعودية رفضت ومصر غضبت وأمريكا انسحبت تكتيكيًا والرباعية سقطت في أول اختبار حقيقي لمواقفها الموحدة واثبتت أن حكومة “تأسيس” لقيطة سياسية تبحث عن اعتراف!
حين تعلن أبوظبي تمسكها بـ”تأسيس”، فهي لا تدافع عن خيار سياسي بل تسوّق لمنتج خاسر لم يجد اعترافًا حتى من حلفائها. السعودية وصفت “تأسيس” بأنها مشروع تقسيم بائس ومصر أكدت أنها تعرقل وحدة السودان فيما قالت أمريكا إن أي محاولة لتشكيل حكومة موازية ستؤدي إلى تقسيم فعلي للسودان
بل إن حتى الاتحاد الأفريقي – صاحب المواقف الرمادية غالبًا – أصدر بيانًا ناريًا أدان فيه بشدة حكومة التأسيس المزعومة ومع ذلك تصر أبوظبي على بيع هذا الوهم للعالم كأنها تُجرّب حظها في بورصة الخرطوم المحترقة
ماذا وراء إصرار الإمارات؟
هنا السؤال الجوهري: ما مصلحة أبوظبي في إشعال الحريق داخل البيت السوداني؟
* أبوظبي وكيل رسمي لمشروع إسرائيل في المنطقة تسعى لإعادة هندسة الفوضى تحت غطاء “المدنية”و تسعى لفرض وجودها في البحر الأحمر عبر بوابة السودان في مواجهة التمدد السعودي المتصاعد
و تريد تفكيك الجيش السوداني – كما فَعَلت في اليمن وليبيا – لأن الجيوش الوطنية تمثل خطرًا وجوديًا على مشروع المليشيات العميلة الذي ترعاه والإمارات لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالسيادة، بل تؤمن فقط بإدارة الدول من خلف الكواليس عبر حاكم ظل يُمسك بخيوط المليشيا والإعلام والتحويلات السرية.
أمريكا: ضعف الإرادة… أم ازدواج المعايير؟
عجزت أمريكا عن توحيد حتى حلفائها. والسبب؟ لأن واشنطن تُدير ملف السودان بعقلية رجل مُتقاعد يحاول الفوز بجائزة نوبل قبل أن يكتب مذكراته.
وزارة الخارجية الأمريكية التي امتلأ أرشيفها بالمؤامرات على السودان منذ زمن بعيد لا تزال تظن أن بإمكانها إنتاج تسوية من مختبرات الـ”CIA”. لكن السودان ليس حقل تجارب وهكذا، انهارت محطات جدة أديس، لندن، جنيف… والآن واشنطن تلحق بها في سلسلة الفشل الممنهج
الرباعية اليوم ليست طاولة وساطة، بل بابٌ بلا مفاتيح و ساحة اشتجار بين أربعة أطباء يختلفون حتى في تشخيص المريض ناهيك عن كتابة الروشتة
مصر تحمي عمقها الاستراتيجي وتسعى لمنع سقوط الخرطوم
السعودية تدافع عن أمن البحر الأحمر وتحاول كبح جماح أبوظبي
الإمارات تلعب بالنار وتسعى لتفكيك السودان من الداخل
أمريكا عاجزة عن فرض موقف موحّد
النتيجة؟ سودان يُحاصر، ويُجوّع، ويُقسم على موائد الرباعية الفاشلة