مقالات الرأي
أخر الأخبار

المؤسسة العسكرية السودانية.. تمييز ممنهج أم إعادة تشكيل؟

المؤسسة العسكرية السودانية.. تمييز ممنهج أم إعادة تشكيل؟

في ظل الحرب المستمرة والتحولات العميقة التي يشهدها السودان، يطفو إلى السطح سؤال جوهري: هل المؤسسة العسكرية تمثل كل السودانيين، أم أنها تخضع لاعتبارات جهوية وعنصرية تحكم قراراتها؟

تمثل حالة أحد القادة العسكريين – الذي لعب دورًا محوريًا ضمن كتيبة العمل الخاص في الدفاع عن سلاح المهندسين ومنع سقوطه في يد مليشيا ال دقلو، في لحظة كانت حاسمة لمسار الحرب – نموذجًا صارخًا على التمييز داخل المؤسسة العسكرية. رغم جهوده البطولية، لم يكن نصيبه التقدير أو الترقية، بل الإبعاد من كتيبته والتهميش، في تكرار مؤلم لنهج طالما استُخدم ضد أبناء الهامش، حيث يُطلب منهم التضحية في الصفوف الأمامية، لكن عندما يحين وقت توزيع النفوذ والمناصب، يصبحون خارج الحسابات.

بعد تحرير الخرطوم، بدأت تتضح معالم إعادة هيكلة الجيش وفق توازنات جديدة. السؤال الذي يطرح نفسه.. هل يتم تحييد بعض القيادات العسكرية لتمهيد الطريق أمام قوات بديلة؟ تشير معلومات متزايدة إلى تحركات لإنشاء قوة جديدة تُعرف باسم “درع السودان”، بقيادة أبو عاقلة كيكل. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من الصراع الداخلي تهدف إلى إعادة رسم خارطة النفوذ داخل الجيش؟ وهل ستكون هذه القوة أداة لضمان هيمنة مجموعات معينة على القرار العسكري؟

لطالما ادّعت المؤسسة العسكرية أنها تمثل السودان بكافة مكوناته، لكن الواقع يناقض هذا الادعاء. فمنذ عقود تسيطر مجموعة محددة على مفاصل الجيش، فيما يتم التعامل مع أبناء الهامش كجنود يتم الزج بهم في المعارك، دون أن يكون لهم أي دور حقيقي في مراكز صنع القرار. ولا يقتصر هذا النمط من التمييز على الجيش وحده، بل يمتد إلى مؤسسات الدولة السيادية والشركات الكبرى، حيث تبقى السلطة الاقتصادية والعسكرية محصورة في أيدي قلة، بينما يتم تهميش الآخرين حتى بعد تقديمهم تضحيات جسيمة.

عندما صرّح الدعم السريع بأن السودان “دولة 56”، كان يشير إلى السودان النيلي، حيث تتركز السلطة والثروة. هذه ليست مجرد دعاية حربية، بل حقيقة واضحة في توزيع النفوذ والموارد. إن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتفكك. السودان دولة متعددة الأعراق والثقافات، ولن يكون له مستقبل مستقر ما لم يتم إعادة هيكلة مؤسساته بحيث تعكس هذا التنوع بدلًا من تكريسه كأداة للإقصاء.

التاريخ لا يرحم، والصمت على هذا الواقع يعني القبول باستمراره. فإما أن تتحول المؤسسة العسكرية إلى جيش وطني يمثل الجميع، أو أنها ستظل أداة في يد قلة تحتكر السلطة وتحدد مصير البلاد وفق مصالحها الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى