مقالات الرأي
أخر الأخبار

#البعد_الاخر مصعب بريــر دور الأحزاب السودانية في فشل التجارب الديمقراطية منذ الاستقلال ..!

#البعد_الاخر
مصعب بريــر
دور الأحزاب السودانية في فشل التجارب الديمقراطية منذ الاستقلال ..!

منذ نيل السودان استقلاله في يناير 1956، ظل سؤال الديمقراطية وتداول السلطة مطروحاً على الدوام، غير أن التجارب الديمقراطية التي تعاقبت فشلت جميعها في الاستمرار، إذ انقضت عليها الانقلابات العسكرية أو انهارت بفعل أزماتها الداخلية. ويعود جانب كبير من هذا الفشل إلى دور الأحزاب السياسية التي لم تستطع ترسيخ قواعد العمل الديمقراطي أو بناء مؤسسات حزبية قادرة على قيادة الدولة والمجتمع.

الأحزاب السودانية منذ البداية حملت إرثاً استعمارياً واجتماعياً معقداً، إذ تأسست في معظمها على أسس طائفية أو جهوية أو عقائدية ضيقة. فقد ارتبط حزب الأمة بالأنصار والطائفة المهدية، بينما ارتبط الحزب الاتحادي الديمقراطي بالطائفة الختمية، في حين تبلورت أحزاب عقائدية مثل الحزب الشيوعي أو الأحزاب الإسلامية لاحقاً. هذا التأسيس جعل الولاءات الطائفية والعقائدية تطغى على البرامج الوطنية الجامعة، فضعفت الرؤية الاستراتيجية للدولة، وتشتت القرار السياسي بين المحاور الدينية والجهوية.

في التجارب الديمقراطية الثلاث (1956-1958، 1964-1969، 1985-1989)، تكرر المشهد ذاته: صراعات حزبية داخل البرلمان، حكومات ائتلافية هشة، غياب خطط تنموية واضحة، وانشغال النخب السياسية بالمناورات الحزبية على حساب بناء مؤسسات الدولة. فبدلاً من أن تكون الديمقراطية فرصة لترسيخ التوافق الوطني، تحولت إلى ساحة للاستقطاب والمكايدات. على سبيل المثال، بعد ثورة أكتوبر 1964، انشغلت الأحزاب بالصراع حول نسب المشاركة في الحكومة الانتقالية أكثر من انشغالها بتأسيس نظام ديمقراطي راسخ. وكذلك بعد انتفاضة أبريل 1985، انقسمت الأحزاب حول قضايا مثل تطبيق الشريعة أو تقاسم السلطة، ما مهد الطريق مجدداً للانقلاب العسكري في 1989.

إضافة إلى ذلك، عانت الأحزاب السودانية من ضعف البنية الداخلية. فهي لم تنجح في بناء هياكل ديمقراطية داخلية حقيقية، بل ظلت رهينة لزعامات تقليدية تتوارث القيادة، الأمر الذي حرمها من تجديد دمائها أو استيعاب الشباب والكوادر الحديثة. كما غاب عنها الفكر البرنامجي المرتبط بالاقتصاد والتنمية والإصلاح المؤسسي، مما جعلها عاجزة عن تقديم بدائل حقيقية للمشكلات التي يعانيها المواطن.

من ناحية أخرى، لعبت الانقسامات والانشقاقات المتكررة دوراً كبيراً في إضعاف الحركة الحزبية. فالحزب الواحد كثيراً ما ينقسم إلى عدة فصائل بسبب خلافات شخصية أو أيديولوجية، فتتشتت الجهود وتفقد الأحزاب وزنها الجماهيري. هذا التشرذم ساهم في إضعاف الحكومات المدنية، وجعلها غير قادرة على مواجهة التحديات الكبرى مثل الحرب الأهلية في الجنوب، والتدهور الاقتصادي، وقضايا العدالة الاجتماعية.

لا يمكن بالطبع إنكار دور العسكر في وأد الديمقراطية، لكن الأزمات الحزبية نفسها كانت هي البيئة الخصبة التي استغلها الجيش لتبرير انقلابه في كل مرة. فغياب الإجماع الوطني، وتفشي الفساد الحزبي، وعدم قدرة الحكومات المدنية على بسط الاستقرار، منح العسكريين الذريعة للتدخل والسيطرة على السلطة بدعوى “إنقاذ البلاد من الفوضى”.

إن مراجعة دور الأحزاب في هذا الفشل المتكرر أمر حتمي لأي محاولة جادة لبناء ديمقراطية راسخة في السودان. فالإصلاح الحزبي يجب أن يبدأ من الداخل، عبر بناء مؤسسات ديمقراطية داخلية، وتبني برامج واضحة للتنمية، وتجاوز الولاءات الطائفية والجهوية. كما أن على الأحزاب أن تدرك أن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات، بل منظومة قيم تقوم على الشفافية، والمحاسبة، والتداول السلمي للسلطة.

بعد اخير :

خلاصة القول، يظل مستقبل الديمقراطية في السودان مرهوناً بقدرة الأحزاب على تجاوز إرثها التاريخي الموسوم بالفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وان تسعى بجدية لبناء مشروع وطني جامع. فإذا استمرت في إعادة إنتاج نفس الممارسات القديمة، فلن يكون الانقلاب العسكري سوى النتيجة الطبيعية المتكررة.. واخيراً، إذا استطاعت الأحزاب السياسية أن تتجدد وتتحرر من قيود الطائفية والانقسامات، فقد يكون لها دور حاسم في تحقيق حلم الشعب السوداني بديمقراطية مستدامة … و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الاثنين(25 اغسطس 2025م)
musapbrear@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى