
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
حكومة الأمل.. ترقب الشارع وثقل البدايات..!
تمر البلاد في هذه المرحلة بتحولات معقدة وتحديات كبيرة ، تبرز معها “حكومة الأمل” كمشروع سياسي يُعوّل عليه في استعادة الثقة ، وفتح مسار فعّال نحو الاستقرار والتنمية. إلا أن تعثر الأداء ، في ظل محدودية الفاعلية وضعف التنسيق المؤسسي، وتزايد المطالب الشعبية بحلول عملية، يضع هذه الحكومة أمام اختبار حقيقي لمدى قدرتها على الانتقال من التعهدات إلى التطبيق، ومن الخطاب السياسي إلى السياسات العملية القادرة على إحداث تحول ملموس في بنية الحكم وأداء مؤسسات الخدمة العامة.
لذلك لا يكفي الإعلان عن النوايا الطيبة أو إطلاق الوعود البراقة؛ بل المطلوب هو تجاوز الإرباك المؤسسي والبطء في اتخاذ القرار، واستعادة ثقة المواطنين التي تآكلت جراء سنوات من غياب الرؤية الإصلاحية وتراكم الوعود غير المنجزة.
الحوار التلفزيوني الأخير لرئيس الوزراء د. كامل إدريس، رغم ما حمله من رسائل مهمة، لم يحقق التفاعل الشعبي المنشود، مما يعكس فجوة واضحة بين السلطة التنفيذية والرأي العام. كثيرون رأوا أن الحديث عن إعادة إعمار الخرطوم، قبل أن تُحسم مسألة عودة الوزارات إلى العاصمة، بدأ متعجلاً وأقرب إلى الأمنيات منه إلى السياسات الواقعية، وهو ما أضعف وقع الرسالة وأثار شكوكًا حول جدية الحكومة .
في قلب هذا الواقع يبرز ملف رؤية إعادة إعمار ولاية الخرطوم وعودة النازحين، وإعادة تشغيل الخدمات العامة كأولوية مهمة. باعتبارها قضايا دالة علي مقدار الحكومة في إعادة بناء النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد. أي تأخير أو غموض في هذه الملفات يفاقم أزمة الثقة ويزيد من إحباط الشارع الذي يعاني من واقع اقتصادي متدهور وأزمات معيشية خانقة.
التأخير المستمر في استكمال تشكيل الحكومة، وخاصة عدم تعيين وزير البيئة والتنمية المستدامة الذي كان منتظرًا أن يؤدي القسم مع وزيري الصحة والثروة الحيوانية، يزيد من الإرباك ويضعف صورة الحكومة، خصوصًا بعد ما تردد عن مراجعة لوضع الوزارة، وسط اتجاه لتغيير مسماها إلى “الموارد المائية والبيئة”، في محاولة لإعادة الاعتبار لدور تقلص بفعل الدمج، بالنظر الي تصاعد أهمية هذا الملف إقليميًا ودوليًا في ظل التحديات المرتبطة بالموارد المائية .
في الوقت نفسه، تلوح أزمة خبز جديدة في الخرطوم مرشحة للتمدد إلى الولايات، مع صعود غير مسبوق لسعر الدولار أمام الجنيه، بما يهدد بانهيار العملة الوطنية.
صحيح أن الحكومة اتخذت إجراءات وُصفت بالجريئة – كتشكيل لجنة عليا للطوارئ الاقتصادية، وحصر تسويق الذهب بجهة حكومية، وتشديد الرقابة على التهريب، وإطلاق منصة رقمية لمتابعة التجارة الخارجية، وإلغاء جبايات غير قانونية – إلا أن هذه الخطوات حتى الآن لم تحقق نتائج ملموسة ، وسط رفض من قطاع الذهب ومخاوف من أن تكون مجرد مسكنات مؤقتة.
في ظل هذا المناخ المرتبك، يترقب السودانيون اجتماع حكومة الأمل الأول الثلاثاء 26 أغسطس 2025م بالخرطوم. المواطن لا ينتظر معجزات، لكنه يريد إشارات عملية على الجدية، وخطة واقعية تنعكس على حياته اليومية بالخبز والوقود والتعليم والصحة. إنه يطالب قبل كل شيء بتقليص الفجوة بين الخطاب والواقع، وبناء الثقة عبر الشفافية والمحاسبة، وتقديم خارطة طريق واضحة بمدي زمني تكشف الإمكانات والقيود بصدق.
إلى جانب الأزمات الاقتصادية، تواجه البلاد تحديات صحية مقلقة مع تفشي حمى الضنك في الخرطوم، حيث سُجلت مئات الإصابات والوفيات، بفعل تراكم المياه الراكدة بعد أمطار الخريف، إلى جانب تدهور خدمات النظافة والرعاية الصحية، ما يستدعي استجابة عاجلة وفعالة من السلطات لاحتواء الوباء قبل تفاقم الوضع.
لذلك فإن الاجتماع الوزاري الأول سيكون اختبارًا حقيقيًا لحكومة الأمل: إما أن تبدأ برؤية واضحة وخطوات عملية تعزز الاستقرار وتستعيد ثقة الشارع، أو تستمر في التردد بما يهدد بتآكل الدعم الشعبي سريعًا.
يدرك الجميع أن لا عصا سحرية في يد رئيس الوزراء أو حكومته، لكن المطلوب هو المصداقية في مواجهة التحديات، والانطلاق من بناء الثقة بالعمل لا بالوعود. فالشرعية الحقيقية لا تُستمد من النصوص الدستورية أو القوانين الإجرائية وحدها، بل من القدرة على الإنجاز وسط العواصف.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن أمام الحكومة فرصة ذهبية لتجاوز أزمات الماضي وصناعة مستقبل جديد، شريطة أن تقرن الأقوال بالأفعال، وتبني ثقة صلبة على أساس الشفافية والرؤية الواضحة. فالشعب الذي منحها ثقته ينتظر عهدًا مختلفًا، لا وعودًا جديدة من ذات القوالب القديمة التي رهنت البلاد للفوضى واللا مبالاة.
دمتم بخير وعافية.
الإثنين 25 أغسطس 2025م Shglawi55@gmail.com