مقالات الرأي
أخر الأخبار

احتكار عمليات شراء وتسويق الذهب جريمة في حق الأمة ولا تعزز استقرار سعر الصرف المزعوم بقلم إبراهيم مشرف

احتكار عمليات شراء وتسويق الذهب جريمة في حق الأمة
ولا تعزز استقرار سعر الصرف المزعوم

بقلم إبراهيم مشرف

في خطوة تهدف إلى معالجة التدهور الاقتصادي المتسارع، (حسب زعمها) أعلنت لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء الانتقالي الدكتور كامل إدريس، عن حزمة من عشرة قرارات جديدة تستهدف ضبط الأداء المالي وتعزيز استقرار سعر صرف للجنيه السوداني، الذي يواصل تراجعه منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، حيث بلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازي نحو 3400 جنيه، بزيادة تجاوزت 700% مقارنة بالفترة التي سبقت النزاع. وكان ضمن قرارات لجنة الطوارئ، (حصر عمليات شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة، ومتابعة الصادرات للحد من تهريب الذهب) (راديو دبنقا، 22/08/2025م)
واعتبر رئيس الوزراء أن الشركاء وحدهم، من لهم حق شراء وتسويق الذهب، حيث قال (سعدت اليوم بتدشين فعالية افتتاح النافذة السودانية الموحدة لصادر الذهب، التي شرفها حضوراً عضو مجلس السيادة الفريق مهندس إبراهيم جابر بجانب عدد من وزراء وكبار المسئولين بالدولة، كوزارة المعادن)، وقال (بذلنا جهودا مع شركائنا لإنجاز هذه المرحلة المهمة التي ستساهم في تسهيل وتبسيط إجراءات صادر الذهب للإسهام في نهوض الاقتصاد الوطني ورفد الخزينة العامة بعملات مقدرة). والنافذة الموحدة لصادر الذهب هي منصة مركزية تهدف إلى تسهيل عملية تصدير الذهب من البلاد وتجتمع فيها جميع الجهات ذات الصلة من (وزارة المعادن، وزارة التجارة، بنك السودان المركزي، الشركة السودانية للموارد المعدنية، هيئة المواصفات والمقاييس، شرطة الجمارك، هيئة الأمن الاقتصادي، هيئة الاستخبارات العسكرية، الغرفة التجارية).
أليس هذا احتكاراً للذهب؟! ولمزيد من التضييق على الناس اعتبرت اللجنة أن أي شخص ليس لديه أوراق ثبوتية للذهب الذي بحوزته يصادر منه!
إن رئيس الوزراء يعتبر أن (النافذة ستقلل من عمليات التهريب)، فقال: (بهذه السياسة تكون وزارة المعادن قد تنازلت عن كثير من الرسوم الخاصة بإجراءات الصادرات بالشركة السودانية. وبهذه الخطوات نود أن نشير إلى حصائل الصادر خلال الأشهر الماضية من العام الجاري قد بلغت ملياراً و500 مليون دولار. ونسعى جاهدين لوقف تهريب الذهب بالسياسات والإجراءات).
ومن جهة أخرى فإن هذه الإجراءات تذمرت منها غرفة الصادر، حيث وصف رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق في حديث للجزيرة نت بتاريخ 21/08/2025م، وصف قرار احتكار الحكومة لتصدير الذهب بـ”القرار الكارثي وسيعمل على تدمير ما تبقى من الاقتصاد السوداني المتهالك وسيعيد نفس تجربة حكومة الإنقاذ وسياساتها الأخيرة والتي كانت نتائجها معلومة للجميع”. وتابع “لا أدري لماذا الإصرار على تجريب المجرب وهذا لن يؤدي إلى إصلاح اقتصادنا المتهالك والذي يعتمد على صادر الذهب في توفير أغلب احتياجات البلاد”. وأضاف أن احتكار صادر الذهب لمجموعة معينة يفتح المجال واسعا للفساد فيقول: “من خلال تجاربنا السابقة مع نفس هذه السياسات لم ينل منها الوطن إلا إهدارا لموارده عبر التهريب وكذلك مزيدا من الفساد والإفساد”.
من المعلوم حسب الأحكام الشرعية أن معدن الذهب وغيره من المعادن ليست من ملكيات الدولة، فهي إما أن تكون ملكية فردية، وإما ملكية عامة. فالحكم الشرعي في التعامل مع المعادن فهو كالآتي:
المعادن قسمان: قسم محدود المقدار بكمية لا تعتبر كمية كبيرة بالنسبة للفرد، وقسم غير محدود المقدار. أما القسم المحدود المقدار، فإنّه من الملكية الفردية، ويملك ملكاً فردياً، ويعامل معاملة الركاز، وفيه الخمس. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ سئل عن اللقطة فقال: «مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ (أي الطريق المسلوكة) أَوْ الْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَكَ، وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ، يَعْنِي فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». رواه أبو داود.
وأما القسم غير المحدود المقدار، الذي لا يمكن أن يَنْفَد، فإنّه ملكية عامة، ولا يجوز أن يملك فردياً لما روى الترمذي عن أبيض بن حمال: «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ» والماء العِدُّ الذي لا ينقطع. شبه الملح بالماء العدّ لعدم انقطاعه، فهذا الحديث يدل على أن الرسول ﷺ أقطع ملح الجبل لأبيض بن حمال، ما يدل على أنه يجوز إقطاع معدن الملح. فلما علم أنه من المعدن الدائم الذي لا ينقطع، رجع عن إقطاعه، وأرجعه، ومنع ملكية الفرد له، لأنّه ملكية الجماعة. وليس المراد هنا الملح، وإنما المراد المعدن، بدليل لما علمه أنه لا ينقطع منعه، مع أنه يعلم أنه ملح، وأقطعه من أول الأمر، فالمنع لكونه معدناً لا ينقطع. قال أبو عبيد: “وأما إقطاعه ﷺ أبيض بن حمال المأربي الملح الذي بمأرب، ثمّ ارتجاعه منه، فإنما أقطعه، وهو عنده أرض موات يحييها أبيض، ويعمرها، فلما تبين للنبي ﷺ أنه ماء عد – وهو الذي له مادة لا تنقطع مثل ماء العيون والآبار – ارتجعه منه لأنّ سُـنّة رسول الله ﷺ في الكلأ، والنار، والماء، أن النّاس جميعاً فيه شركاء، فكره أن يجعله لرجل يحوزه دون النّاس”. ولما كان الملح من المعادن، فإن رجوع الرسول عن إقطاعه لأبيض يعتبر علة لعدم ملكية الفرد، وهو كونه معدناً لا ينقطع، وليس كونه ملحاً لا ينقطع. ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عداً، أي لا ينقطع. ويتبين من رواية عمرو بن قيس أن الملح هنا معدن، حيث قال “معدن الملح” ويتبين من استقراء كلام الفقهاء، أنهم جعلوا الملح من المعادن، فيكون الحديث متعلقاً بالمعادن لا بالملح خاصّة.
وهذا الحكم، وهو كون المعدن الذي لا ينقطع ملكاً عاماً، يشمل المعادن كلها سواء المعادن الظاهرة التي يوصل إليها من غير مؤونة، ينتابها النّاس وينتفعون بها، كالملح، والكحل، والياقوت، وما شابهها، أم كان من المعادن الباطنة، التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، وما شاكلها. وسواء أكانت جامدة كالبلور أم سائلة كالنفط، فإنها كلها معادن تدخل تحت الحديث. وبذلك لا يجوز تحويل الملكية العامة إلى ملكية فردية.
لكن النظام الرأسمالي، وبحكم البراغماتية، والنظرة النفعية للحياة، ينهب الملكيات العامة، ويحتكر تعاملاتها ظلما وعدواناً، فتتكدس الأموال عند أفراد قلة، بينما الناس في فقر مدقع لا يقوون على إشباع حاجاتهم الأساسية.
فرئيس الوزراء يكون قد كدس الأموال في أيدي شركائه في أجهزة حكومته لا كما أراد الله أن يكون المال دولة بين الناس. ولا يمكن وقف هذا الشره الرأسمالي إلا بدولة الخلافة الراشدة الثانية التي تطبق أحكام الشرع في النقد وغيره فتحفظ مقدرات الأمة بصك النقود على أساس قاعدة الذهب والفضة. وليس ورقاً لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب فيه. وبالتالي تعالج مشكلة النقد بفك الارتباط مع الدولار وربط العملة بالذهب والفضة. وقد تبنى حزب التحرير في مقدمة الدستور ما نصه:
(المادة 167: نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ولا يجوز أن يكون لها نقد غيرهـما. ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئاً آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة. فيجوز أن تصدر الدولة نحاساً أو برونزاً أو ورقاً أو غير ذلك وتضربه باسـمها نقداً لها إذا كان له مقابل يساويه تـماماً من الذهب والفضة).
وللرجوع إلى قاعدة الذهب يجب إزالة الأسباب التي أدت إلى التخلي عنه، وإزالة العوامل التي أدت إلى تدهوره، أي يعمل ما يلي:
1- إيقاف طبع النقود الورقية
2- إعادة النقود الذهبية إلى التعامل
3- إزالة الحواجز الجمركية من أمام الذهب، وإزالة جميع القيود على استيراده وتصديره.
4- إزالة القيود على تملك الذهب، وحيازته وبيعه، وشرائه، والتعامل به في العقود.
5- إزالة القيود على تملك العملات الرئيسية في العالم، وجعل التنافس بينها حراً، حتى تأخذ سعراً ثابتاً بالنسبة لبعضها، وبالنسبة للذهب، من غير تدخل الدول بتخفيض عملاتها أو تعويمها.
ومتى ترك للذهب الحرية، فإنه سيكون له سوق مفتوحة في فترة زمنية يسيرة، وبالتالي فإن جميع العملات الدولية ستأخذ سعر صرف ثابتاً بالنسبة للذهب، وسيأخذ التعامل الدولي بالذهب طريقه إلى الوجود حيث سيجري دفع قيم العقود لسلع مقدرة قيمتها بالذهب.
إن هذه الخطوات إذا قامت بها دولة واحدة قوية، فسيؤدي نجاحها إلى تشجيع الدول الأخرى على اتباعها في ذلك؛ ما يؤدي إلى تقدم نحو إعادة نظام الذهب إلى العالم مرة أخرى.
وليست دولة أجدر من دولة الخلافة من القيام بذلك؛ لأن العودة إلى قاعدة الذهب والفضة حكم شرعي بالنسبة لها، ولأن دولة الخلافة مسؤولة عن العالم مسؤولية هداية ورعاية.

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم مشرف
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى