مهندس عبد الفتاح علي الشيخ يكتب: مشهد من مسيرة عطاء غلام

م. عبد الفتاح علي الشيخ يكتب: مشهد من مسيرة عطاء غلام
فقد جلل للدكتور غلام الدين عثمان ادم، نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولأهله وعشيرته الصبر والسلوان وحسن العزاء. لي مع ذلك الراحل المقيم المهذب الخلوق الذي ذهب إلى جوار ربه راضيًا مرضيًا موقف لا ولن أنساه أبدًا. بعض الإخوة المذكورين في هذا المقال لا يزالون موجودين والحمد لله على قيد الحياة ويمكنهم التحقق مما أسرّدته مواقف ومشاهد للتاريخ.
عينت مديرًا تنفيذيًا لمشروع غزل ونسيج قدو في أواخر سنة 1997م، وبعد يومين من استلامي للمشروع، اتصل بي أمين المخازن بالمشروع بأن هناك تدخلًا من والي ولاية نهر النيل آنذاك اللواء عبدالرحمن سرالختم رحمه الله حين أصدر قرارًا بنقل مولدات كهرباء المشروع لمدينة عطبرة بغرض إنارة المدينة دون إخطارنا ،، فذهبت إلى الوالي في مكتبه بالدامر وطلبت منه إعادة ما تم نقله بواسطته لموقع المشروع، وإلا فسوف نتخذ الإجراءات القانونية. ولكنه رفض بعنجهية وتعالٍ. فرجعت إلى الخرطوم ورفعت فيه شكوى جنائية هو وحكومته وقتها للنائب العام آنذاك.
وفي اليوم الثالث، تم استدعائي في القصر الجمهوري من النائب الأول لرئيس الجمهورية سعادة اللواء الزبير محمد صالح لمواجهة اللواء عبدالرحمن سر الختم رحمهما الله الذي تم استدعاؤه كذلك. ولقد بادره بكلام عنيف وطالبه بإعادة كل المنقولات والمولدات للمشروع فورًا، وأن يحاسب كل الذين لهم ضلع بالتدخل. وخلف لي ذلك الموقف عداءً شديدًا مع حكومة وبعض الجهات بولاية نهر النيل، واستمر الوضع هكذا حيث ظلوا يتآمرون ويريدون الخلاص مني كمدير تنفيذي للمشروع.
موقف د.غلام:
في العام 2001م، تجمع بعض الوجهاء وبعض مسؤولي ولاية نهر النيل وذهبوا للرئيس البشير وأقنعوه بإصدار قرار بإيلولة المشروع للولاية، وفعلًا صدر القرار بإيلولة المشروع للولاية. وحينها كان الأستاذ بدر الدين سليمان وزير الصناعة رحمه الله في زيارة خارجية. وكان الأخ أبو بكر يحي الفضلي وزير دولة بوزارة الصناعة، وكنت أزور الأخ أحمد البكري والأخ أبكر كلما تواجدت في الخرطوم لأننا كنا نتدارس ونجتمع عادة في مكتبه. وفي أحد الأيام، وبعد الإفطار، قدم لي قرار إيلولة المشروع لولاية نهر النيل لأقوم بتسليم المشروع للولاية فورًا. وحاولت أن أشرح له وضع الولاية السالب تجاه المشروع، ولكنه عاتبني عتابًا شديدًا لأنني رفضت بحدة استلام القرار.
بعد أسبوع من تلك الأحداث الصاخبة، عاد الوزير بدر الدين سليمان.. وعلم بقرار إيلولة المشروع للولاية، وقد رفعت له مذكرة بتلك الأحداث والموقف الحاسم بعدم تسليم المشروع للولاية حسبما وردت في المذكرة التفصيلية، وأن الولاية غير جادة ولديها أجندة تتقاطع مع خطة الوزارة لإكمال المشروع بتلك الخطة التي وصلت مرحلة بإبرام عقد اتفاق مبدئي مع الشركة الصينية التي ضمنت مشروع الشراكة مع مصانع غزل الحاج عبدالله ونسيج كوستي ونسيج شندي، وذلك بتوجيهات مباشرة منه!!!
وفور عودته، ذهب للرئيس وأقنعه بعدم إيلولة المشروع للولاية وضرورة عودته تحت إشراف الوزارة، وبالفعل صدر القرار.
نعود لموضوع د.غلام الدين. حينما صدر قرار إيلولة المشروع للولاية، كان هو وزير مالية ولاية نهر النيل وتم تكليفه رئيسًا لمجلس إدارة مشروع قدو. فاستدعاني لموقع المشروع ومعه عدد من الوزراء ومعتمد محلية شندي كأعضاء مجلس الإدارة للمشروع، وتم الاجتماع في قاعة المشروع وطلب مني أن أقوم بإجراءات تسليم وتسلم المشروع لأحد من القادمين معه. ففاجأتهم بأنني لن أسلم المشروع لولاية نهر النيل. وحينها ضجت القاعة بنقد لاذع لشخصي من بعض الوزراء بما فيهم معتمد محلية شندي. ولكن د. غلام الدين كان حكيمًا وهادئًا وعاقلًا، فرفع الاجتماع مباشرة.
وذهب ثاني يوم للخرطوم وقابل د. عبدالرحمن عبدالله العضو المنتدب والمدير العام للشركة العامة للغزل والنسيج لحظتها، وسأله عن سيرتي وشخصي. فرد عليه د. عبدالرحمن ردًا إيجابيًا عني فرجع مباشرة. وعاود استدعائي للاجتماع في الأسبوع التالي بقاعة المشروع. وفي بداية الجلسة، ذكر بأن هناك قرارًا صدر بالاجماع من مجلس وزراء الولاية الذي عقد خصيصًا عن المشروع، وذلك بتعييني مديرًا عامًا للاستثمار والصناعة بالولاية، وأن أكون مشرفًا على المشروع، وأن يكون مقري بالدامر، وأنني سأمنح منزلا وعربة وبعض الامتيازات. فشكرتهم لثقتهم الغالية بشخصي بالرغم مما حدث، ومن ثم طلبت منهم أن يستمعوا لشرح وتوضيح الأسباب التي أدت لرفضي تسليم المشروع للولاية، والتي ترتكز على عاملين أساسيين: أولًا: أن الولاية لها مواقف سالبة تجاه المشروع بالسرقات والتدخلات العشوائية العديدة. وثانيًا: أن الولاية لديها مشكلة في توفير مرتبات العاملين والتسيير. فمن أين لها إقامة مشروع تكلفته (٤٧) مليون دولار؟! وبالرغم من كل ذلك قابلني وديا، بل وأصر بأنه لن يتركني وأنه سينقلني للولاية.
ختامًا ،،
أقول إن د. غلام الدين عثمان كان رجلًا حكيمًا ومهذبًا، وقد ترك بصمة واضحة في قلوب كل من عرفه. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.