مقالات الرأي
أخر الأخبار

صرخة وطن لا يُقهر: كامل إدريس في الأمم المتحدة.. هل يسمع الضمير العالمي؟ ✍️ بقلم: نصر الدين العقابي

صرخة وطن لا يُقهر: كامل إدريس في الأمم المتحدة.. هل يسمع الضمير العالمي؟

✍️ بقلم: نصر الدين العقابي

في قاعةٍ اعتادت على خطابات باردة، رتيبة، ومليئة بالعبارات الدبلوماسية المكرورة، جاء صوتٌ مختلف. صوتٌ يخرج من بين رماد الخرطوم، من وجع دارفور، ومن جراح كردفان والجزيرة، ليخترق جدران الصمت العالمي. هناك، على منصة الأمم المتحدة، لم يتحدث الدكتور كامل إدريس كرجل سياسة يسعى وراء التصفيق، بل تكلم كصوت وطن ينزف: السودان.

خطابه لم يكن مجرد كلمة مكتوبة على الورق، بل كان صرخة وجودية. صرخة أمة تقاتل كي لا تُمحى من الخريطة. صرخة شعب يرفض أن يتحول إلى مجرد “خبر عاجل” على شريط القنوات الفضائية. قالها إدريس بوضوحٍ نادر:
“سلامة أرض بلادنا خط أحمر. لن نستسلم.. لن نستسلم.. لن نستسلم أبدًا.”

في لحظةٍ بدت كأنها مواجهة بين الضمير والخذلان، وضع إدريس العالم أمام الحقيقة العارية: السودان لا يطلب شفقة ولا تسولًا سياسيًا، بل يطالب بحقه الطبيعي في الحياة والكرامة. الحرب التي تشتعل في دارفور والخرطوم ليست مجرد نزاع داخلي كما يُصوّرها البعض، بل هي حرب إبادة مُمنهجة، تقودها ميليشيات مأجورة، تُدار بأيدٍ خفية لا يجرؤ كثيرون على تسميتها.

قالها إدريس بصرامة: “أطفالنا يُقتلون جوعًا، ونساؤنا يُغتصبن بالذل والرصاص، وشيوخنا يموتون عطشًا تحت الحصار.. بينما العالم يتفرج!”

هذه ليست مبالغة خطابية، بل واقع يعيشه ملايين السودانيين يوميًا. مشاهد الموت والجوع والتهجير لم تعد أخبارًا طارئة، بل صارت تفاصيل يومية لحياةٍ مُرّة

في خطابه، لم يوجه إدريس استغاثة، بل وجّه اتهامًا صريحًا للمجتمع الدولي. فالعالم الذي يزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، ترك السودان يُذبح على مرأى ومسمع منه. الأمم المتحدة، التي كانت تُفتَرض أن تكون مظلة العدالة الدولية، صارت صامتة أمام واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

هل أصبحت دماء السودانيين أقل قيمة من غيرها؟
هل صار مصير الشعوب يُحدد وفق مصالح الكبار لا وفق مبادئ العدالة والإنسانية؟

إن صمت العالم ليس مجرد حياد، بل تواطؤ معلن. فالتغاضي عن المأساة مشاركة في الجريمة، وعدم إدانة القتلة دعمٌ لهم.

أراد إدريس أن يرسل رسالة واحدة واضحة: السودان باقٍ، والسودانيون لن ينكسروا، حتى لو تخلى عنهم الجميع. لقد رفض أن يكون خطابه “طلب نجدة”، بل جعله “إنذارًا” أخلاقيًا وسياسيًا، لكل من يسمع: إن لم تتحركوا اليوم، فأنتم شركاء في قتل وطن.

لم يطلب تدخلاً عسكريًا، ولم يساوم على السيادة الوطنية، بل طالب بموقف صريح يضع النقاط على الحروف. طالب العالم أن يقول: من القاتل ومن الضحية؟ من المجرم ومن الضحية؟ فهذه هي أبسط قواعد العدالة.

خطاب كامل إدريس ليس حدثًا عابرًا في سجلات الأمم المتحدة. إنه درسٌ في الكرامة الوطنية. لحظة سياسية نادرة، ارتفع فيها صوت السودان عاليًا ليقول: “نحن هنا. نُقتل، نعم. نتألم، نعم. لكننا لن نُهزم.”

لقد أظهر إدريس أن السياسة ليست مجرد مفاوضات ومصالح، بل يمكن أن تكون موقفًا أخلاقيًا، ورمزًا للصمود، وتجسيدًا لشرف أمة بأكملها.

اليوم، يقف العالم أمام امتحان صعب: هل يسمع صرخة السودان؟ أم أن صمته سيبقى شريكًا في الجريمة؟
لقد قال إدريس كلمته، ودوّنها التاريخ. لكن السؤال ليس ما قاله إدريس، بل: ماذا سيفعل العالم بعد أن سمع؟

إن خطاب كامل إدريس في الأمم المتحدة سيبقى علامة فارقة في تاريخ السودان الحديث. لم يكن مجرد كلمة، بل وثيقة مقاومة، وصوت أمة ترفض الموت. السودان لن يستسلم، حتى لو خذله العالم بأسره.

والتاريخ لا يرحم. إما أن يكون الضمير العالمي قد سمع هذه الصرخة واستجاب لها، أو أن يُسجَّل صمته كعارٍ جديد على جبين الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى