مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر الكلمة جلال الجاك أدول أمسية أبيي الثقافية.. الفن يؤكد الانتماء ويكشف الغياب الرسمي

منبر الكلمة

جلال الجاك أدول

أمسية أبيي الثقافية.. الفن يؤكد الانتماء ويكشف الغياب الرسمي

قراءة في مقال الأستاذة حوازم مقدم

بقدر ما كان مقال الأستاذة حوازم مقدم الذي حمل العنوان البليغ أمسية أبيي الثقافية.. الفن يؤكد الانتماء ويكشف الغياب الرسمي رقيقًا في لغته، وعميقًا في فكرته، كان أيضًا شهادة وطنية تؤكد أن أبيي ليست جغرافيا متنازعًا عليها فحسب، بل وجدان حي وهوية عصيّة على الاندثار.

لقد قدّمت الكاتبة قراءة فاحصة لفعالية ثقافية أقامها المجلس الأعلى لتنسيق شؤون أبيي تحت شعار (أمسية ثقافية في حب الوطن) . واستطاعت أن تلامس جوهر الحدث من حيث الرمزية والتنظيم والمضمون، لتؤكد أن الثقافة ما تزال قادرة على جمع السودانيين في حضن الوطن الكبير رغم جراحاته.

يُحسب للأستاذة حوازم مقدم نزاهة موقفها وصدق إحساسها الوطني؛ فرغم أنها لم تكن ضمن المدعوين للأمسية، إلا أنها حضرت بقلبها وقلمها، متابعةً لما دار فيها، وموثقةً بانحيازٍ جميلٍ للحق والجمال والانتماء. وذلك في حد ذاته موقف نبيل يعكس روح التضامن مع إخوتها وأخواتها من أبناء وبنات أبيي الذين جعلوا من الفن منبرًا للوحدة ورسالةً للسلام.

ما أثارته الكاتبة حول غياب المؤسسات الرسمية عن مثل هذه الفعاليات هو سؤال جوهري لا يمكن تجاوزه. فالثقافة ليست ترفًا ولا زينة للخطاب العام، بل جبهة متقدمة من جبهات الصراع على الوعي والهوية.

ومن زاوية أخرى، يمكن القول إن ما طرحته الكاتبة يفتح بابًا أوسع للتساؤل حول دور كل الأطراف المعنية فالدفاع عن أبيي لا يكون فقط عبر المحافل السياسية والجلوس في الكراسي الوثيرة، بل من خلال المشاركة والكلمة والفن والوجدان الجمعي.

إن الحضور البهي لشركة أبيي للاستيراد والتصدير كراعٍ للأمسية يمثل تأكيدًا على دور القطاع الأهلي في دعم الذاكرة الجمعية حين تتقاعس الجهات الرسمية، وهو نموذج لما يمكن أن يقدمه المجتمع المدني عندما يتبنى قضية الوطن بالصدق والوفاء.

تساءلت الكاتبة، بحق، عن غياب أبناء المسيرية عن حضور الأمسية، وهم شركاء الأرض والمصير. ذلك الغياب، كما قالت، كان يمكن أن يتحوّل إلى حضور وطني يجسّد معاني التعايش المشترك لو لبّت الدعوة أطراف أبيي كافة. فالثقافة ليست ميدانًا للخلاف، بل مساحة للتلاقي الإنساني، والوعي الحقيقي يبدأ حين يلتقي المختلفون على طاولة الفن والوجدان.

الخلاصة التي انتهت إليها الأستاذة حوازم مؤلمة لكنها واقعية أن أبيي ما زالت تدافع عن انتمائها عبر المبادرات الفردية وجهود المجتمع الأهلي، بينما تغيب المؤسسات الرسمية عن المشهد وكأن الأمر لا يعنيها. وذلك ما يستوجب وقفة صادقة، فالقضية لا تُصان بالبيانات ولا بالمناصب، بل بمن يملك الإحساس بوجعها والإيمان بعدالتها.

أجدد الإشادة بالأستاذة حوازم مقدم التي كتبت بضمير حي وانتماء أصيل، وعبّرت عن صوتٍ نحتاجه اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى صوت يذكّرنا أن الفن لا يزيّن الواقع فقط، بل يوقظ فينا الشعور بالمسؤولية والانتماء.

لقد كانت حوازم، رغم عدم دعوتها، حاضرة في قلب أبيي وفي قلوبنا جميعًا، لأنها آمنت أن القلم حين يكتب في حب الوطن، فهو شكل من أشكال الحضور الأجمل.

ستظل أبيي تنبض بالفن والوعي والانتماء،
لأن الوطن الذي يغني لا يموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى