
*مجزرة المزروب وإعلام الحرب الهجين*
🖋 *يوسف عمارة أبوسن*
لم يكن اغتيال ناظر قبيلة المجانين الأمير سليمان جمعة سهل و16 فرداً من إدارته الأهلية جريمة قتل عابرة، بل هو عملية معقدة جمعت بين الاغتيال الجسدي والاغتيال المعنوي ، ما يدل على تحول الصراع من مواجهة عسكرية تقليدية إلى حرب وجودية تستهدف النسيج الاجتماعي للسودان .
ان استهداف ناظر المجانين يأتي ضمن حملة ممنهجة تستهدف قيادات الإدارة الأهلية في كردفان ودارفور ، بدءاً من محاولة اغتيال أمير دار حمر عبدالقادر منعم ، ومروراً باغتيال ناظر المسيرية موسى الشوين في الفولة، واغتيال إبراهيم مادبو في الضعين، ومحاولة اغتيال ناظر الهبانية يوسف علي الغالي في النضيف بمحلية برام بأمر من عبد الرحيم د.قلو ، وهذا النمط يكشف بشكل واضح أهداف المليشيا من علاقتها بالإدارة الاهلية فهي تهدف لتحييد مراكز المقاومة وتعقيد الخيارات أمام من يريدون معارضتها، كذلك تريد المليشيا قطع الطريق على التحالفات المستقبلية فهي تخشى من التحاق أبناء القبائل بصفوف القوات المسلحة والقوات المساندة مع تقدم تلك الجيوش نحو المزروب، وقد كان الناظر سليمان يشكل نواة لهذا التحول ، فكان لابد من تحييده استباقيا ..
أما عن الحملة الإعلامية الموازية للعملية وآلة التضليل المُمنهج التي رافقت الحدث، فهي توضح التنسيق التام بين الجريمة على الأرض وآلة التضليل الإعلامية، في تنفيذ دقيق لخطة متكاملة تعتمد على التدرج المحسوب في نشر الرواية بدءاً بالإيحاء ثم الانتقال إلى التصريح، في تكتيك مدروس لغسل العقول، عبر نشر الشكوك حول هوية الجاني الحقيقي،. ثم تحويل تلك الشكوك والاحتمالات إلى يقين عبر تكرار الرواية، ثم مرحلة التضخيم عبر استخدام شخصيات متنوعة لخلق وهم الإجماع حول القضية ..
ومن مفارقات هذه الحملة دور الناشطة رانيا أربجي، التي ولأول مرة تعلن إنتماءها ل (قبيلة) لتطعن في الجيش ثم تتراجع بعد أن أدى حديثها غرضه ، فيكفي خبرا بعنوان : (الناشطة المحسوبة على الجيش مع سكرين شوت) ، ف(الأربجية) عملت على تضخيم الرواية الكاذبة في الذروة العاطفية للحدث ، وهو دورها المطلوب بغض النظر عن المصداقية اللاحقة للقصة من عدمها ، ورانيا ناشطة (واصلة) وواعية لا تنساق ولا يعجزها التأكد من صحة خبر أو عدمه ..
ومن ما حدث يتضح ان الإستراتيجية الإعلامية للمليشيا كانت تقوم على مرحلتين الأولى أن المليشيا لم تكن تهدف إلى إقناع الرأي العام ، بل إلى تشويش الخصم، ثم بعد تشويش الخصم لا تهدف لمخاطبة الرأي العام المحلي ولا الدولي بل تهدف لتسميم البيئة المحيطة بأبناء القبيلة وأنصارهم وخلق انقسام بين المجتمع والجيش، فتحقيق نسبة معقولة من الشك كفيل بتعطيل التحالفات المستقبلية بين المجانين والجيش وقواه المساندة ..
أخيرا وبحسابات المنطق السياسي والعسكري يمكننا تحديد دافع المجزرة عبر حساب فوائد وخسائر كل من القوات المسلحة والمليشيا، بعدها يمكننا ترجيح لمصلحة من أغتيل ناظر المجانين .
فالمليشيا باغتيال ناظر المجانين تحقق عددا من الأهداف :
– إزالة عائق رئيسي أمام سيطرتها على المنطقة وذلك بعد اعتراض ناظر المجانين على دخول المليشيا للسوق وتواجدها بمحيطه
– قطع الطريق أمام تحول القبيلة أو جزء من شبابها إلى قوة مساندة للجيش كرد فعل على ما حدث من انتهاكات
– إرسال رسالة ترهيب لكل القيادات التقليدية في المنطقة
– تحقيق نصر إعلامي وحقوقي يعوض الخسائر الميدانية
أما الجيش السوداني يخسر في هذه العملية :
– يخسر حليفاً محتملاً ومؤثراً في المعركة الحاسمة باقليم كردفان ..
– كذلك بخسر الجيش شرعيته الشعبية المحلية إذا صدقت الرواية الملفقة ..
– كذلك يخسر الجيش فرصة تحويل المقاومة المحلية إلى تحالف عسكري، وذلك بضم أبناء قبيلة المجانين لإحدى القوات المساندة المتواجدة بمدينة بارا ..
لذلك أمام المليشيا لتعزيز روايتها الاعلامية خيارين ، اما ان تأتي بمقطع فيديو يثبت بيعة وولاء الناظر سليمان لها ، ما يجعله هدفا للجيش أكثر من مادبو وبابو نمر والذَين لم تمسهما مسيرات الجيش ، أو أن تسلم حطام الطائرة المسيرة لجهة محايدة تثبت أو تنفي ملكيتها للجيش السوداني ، وما ينسف رواية المليشيا بالكامل مع التقادم هو أن المزروب ستتحرر بيد أبنائها من قبيلة المجانين .. والنصر قريب ..
يوسف عمارة أبوسن
18 أكتوبر 2025
*#المرصد_السوداني*