مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي السودان: مأزق حصاد الانتصار..!

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

السودان: مأزق حصاد الانتصار..!

يعيش السودان اليوم واحدة من أكثر لحظاته التاريخية تعقيدًا وازدواجيةً في المسار السياسي والعسكري؛ إذ يقف على حافة الانتصار الوطني من جهة، وعلى تخوم الاستلاب السياسي من جهة أخرى، في لحظة حرجة يمكن وصفها بأنها مأزق حصاد الانتصار.

كان يفترض أن يحصد الشعب السوداني ثمار تضحياته، غير أن الضغوط الدولية والإقليمية تهدّد باختطاف لحظة النصر، كما حدث في محاولات سابقة لاختطاف الدولة عبر دعم انقلاب مليشيا «الدعم السريع» في 15 أبريل 2023، بالتواطؤ مع قوى سياسية محلية سعت لتشكيل المشهد بمعزل عن إرادة الشعب.

هذه اللحظة الحاسمة والملتبسة لا يمكن قراءتها في إطار المعارك العسكرية وحدها، بل في سياق سياسي أوسع، يتمثل في محاولات فرض حلول خارجية لتحديد مسار الحرب والتحكم في نهايتها. غير أن المرحلة الوطنية تتطلب رؤية سياسية وطنية خالصة، تنبع من الداخل، وتؤمّن القرار الوطني بعيدًا عن الإملاءات الأجنبية.

منذ اندلاع الحرب، واجه السودان تحديات عسكرية كبيرة، حيث يسعى الجيش السوداني لاستعادة السيطرة وبسط الأمن في دارفور وكردفان. غير أن ما يميز الوضع الراهن ليس فقط القتال على الأرض، بل التوازن الحساس بين حفظ استقرار الدولة ومقاومة الضغوط الخارجية التي تسعى لفرض تسويات سياسية تخدم مصالحها الخاصة، بما يشكل تهديدًا حقيقيًا للسيادة الوطنية وحق الشعب في تقرير مصيره.

وفي ظل تسارع التحركات الدولية، خصوصًا من اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، بريطانيا، والإمارات)، جاء موقف السودان بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان واضحا : بالأمس خلال تقديم واجب العزاء لأسرة الشهيد المقدم عبد الله ميرغني زروق في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، الذي استشهد في مدينة الفاشر. “لا وساطة تُقبل إلا إذا استندت إلى الإرادة الوطنية، ولا تسوية تُفرض من الخارج” .

السودان اليوم في حاجة ماسّة إلى توحيد صفوفه الداخلية أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة الحصار السياسي والاقتصادي من جهة، وضغوط المجتمع الدولي من جهة أخرى. فالتاريخ أثبت أن الجبهة الداخلية الموحدة هي الضمانة الحقيقية لمقاومة أي حلول تُفرض من الخارج، وهي القاعدة الصلبة لبناء عملية سياسية تعبّر عن تطلعات الشعب لا عن مصالح الآخرين.

إن الاصطفاف الوطني بين القوى السياسية والحركات والكيانات النقابية ضرورة حتمية. فهو الرد الحاسم على محاولات إجهاض الإرادة السودانية. فبينما تواصل بعض الدول الترويج لمؤتمرات ووساطات خارجية، فإن تمسك السودان بسيادته ورفضه لأي تسوية لا تحترم قراره الوطني يمثل نقطة ارتكاز نحو الحل السوداني – السوداني.

وفي هذا السياق، تأتي اجتماعات القوى السياسية السودانية في بورتسودان كخطوة مهمة لاستعادة وحدة الصف الوطني. إذ اتفقت القوى المختلفة على أن يكون الحوار الوطني تحت إدارة سودانية مستقلة، يقود إلى رؤية جامعة لمرحلة جديدة من بناء المؤسسات الوطنية.

وقد أكد البيان الختامي للاجتماع أمس الأول والذي عبر عن عشرين حزب سياسي وقوي وطنية على أهمية توحيد الرؤى لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي، والدعوة إلى مؤتمر حوار شامل بمشاركة جميع الأحزاب دون إقصاء، مع تشكيل لجنة وطنية مستقلة لإدارة الحوار وتهيئة المناخ .

إن بناء منبر سوداني خالص، ينبع من داخل الوطن ويجمع الأحزاب والكيانات الاجتماعية والمجتمعية كافة، هو السبيل الأمثل لإنجاز تسوية سياسية حقيقية تُنهي الصراع الداخلي وتؤسس لسلام مستدام.

فلا يمكن معالجة الأزمة السودانية خارج حدود الوطن، ولا يمكن لأي وساطة أجنبية أن تفرض نفسها إذا توفرت الإرادة السياسية السودانية لإنجاح الحوار الداخلي.

لقد أكدت التجربة أن أي تسوية لا تحترم الإرادة الشعبية ولا تضع السيادة الوطنية في الصدارة ستقود إلى تعقيدات جديدة. لكن في المقابل، فإن الفرص ما تزال قائمة أمام السودان لمقاومة الحلول المفروضة، من خلال:

إحكام السيطرة على الأرض: تقدم الجيش في كردفان ودارفور وحصاره لمليشيا الدعم السريع يعزز الموقف العسكري والسياسي للدولة. كذلك تشكيل جبهة داخلية متماسكة: الحوار الوطني يمكن أن يُنتج رؤية موحدة تضع مصالح الشعب فوق كل اعتبار. بالإضافة الي مقاومة الضغوط الخارجية: السودان اليوم أكثر وعيًا وإصرارًا على رفض أي حلول لا تراعي سيادته ومصالحه. إلى جانب ترسيخ العدالة والكرامة الوطنية: فرفض الاتفاقيات التي تكرس المظالم شرط أساسي لأي سلام عادل.

ومع ذلك، تبقى التحديات كبيرة في ظل استمرار الحرب وتعقيداتها، مما يستدعي دعمًا من أصدقاء السودان الحقيقيين لتيسير الحوار دون التدخل في تفاصيله أو فرض أجنداتهم الخاصة.

في نهاية المطاف، وكما تؤكد #وجه_الحقيقة، فإن المبادرة الوطنية السودانية هي الطريق الوحيد نحو الاستقرار الحقيقي. فإذا نجح السودان في بناء جبهة داخلية موحدة، فسيكون قادرًا على تعزيز موقعه السياسي والعسكري، وفرض إرادته الوطنية، وإرساء أسس سلام دائم يحقق تطلعات شعبه ويحفظ آمنه و كرامته.

دمتم بخير وعافية.
الأحد 19 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى