مقالات الرأي
أخر الأخبار

*عبد الكريم إبراهيم يكتب:* *✈️ السماء مفتوحة… لكن لمن يملك ثمنها

*عبد الكريم إبراهيم يكتب:*
*✈️ السماء مفتوحة… لكن لمن يملك ثمنها*

في وطنٍ أنهكته الحرب، وتفرّق فيه الناس بين نازح ولاجئ، لا تزال العودة إلى الديار حلمًا يراود آلاف السودانيين الذين غادروها مرغمين لا مختارين. ومع كل بارقة أمل، يتشبث المواطن بما تبقى من خيوط الوطن، منتظرًا أن تفتح له الأبواب، لا أن تُغلق في وجهه بأرقام لا تُطاق.
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبرًا مفرحًا عن قرب تدشين العمل بمطار الخرطوم، عبر رحلات داخلية لطيران بدر، في ظل استمرار توقف الناقل الوطني “سودانير” لأعمال صيانة طالت أكثر مما ينبغي، دون أفق واضح للحل. لكن ما أُعلن من أسعار التذاكر لم يكن مجرد خبر عابر، بل صدمة حقيقية. إذ أفادت الأنباء أن سعر التذكرة الداخلية بين الخرطوم وبورتسودان بلغ ما بين 800 إلى 900 ألف جنيه سوداني، بينما وصلت تذكرة الرحلة من القاهرة إلى الخرطوم إلى أكثر من 2.1 مليون جنيه. وإن صحت هذه الأرقام، فإنها لا تمثل مجرد تسعير، بل حاجزًا نفسيًا وماديًا أمام آلاف السودانيين الذين يعيشون ظروفًا مأساوية بسبب الحرب، ويبحثون عن وسيلة آمنة للعودة إلى ديارهم.
هذه الأسعار، التي لا يمكن وصفها إلا بالخرافية، تضع المواطن السوداني في مواجهة قاسية مع الواقع. فإما أن يختار مشقة السفر برًا، رغم المخاطر، أو أن يبقى في المنافي القسرية، محاصرًا بخدمات منهكة وأوبئة تفتك بالبشر، فقط لأنه لا يملك ثمن العودة.
كنا ننتظر من شركات الطيران، وعلى رأسها شركتا بدر وتاركو، أن تبادرا بتسيير رحلات مجانية أو بأسعار رمزية، مساهمةً منها في تخفيف معاناة المواطنين، لا أن تُسعر التذاكر وكأنها تُباع في مزاد لمن يملك لا لمن يحتاج. لقد سبقتها جهات وطنية بمبادرات طوعية، مثل منظومة الصناعات الدفاعية ومبادرة السلطان حسن برقو، التي وفرت العودة المجانية لمن تقطعت بهم السبل، خاصة في دول مثل مصر، ليبيا، وإريتريا، حيث يتمركز العدد الأكبر من كبار السن والمرضى والطلاب.
فهل يُعقل أن تكون هذه المبادرات أكثر إنسانية من شركات يفترض أنها تمثل نبض الوطن؟ وهل يُعقل أن تُجهز السلطات مطار العاصمة كأولوية وطنية، ثم تأتي الشركات لتضرب هذا الجهد عرض الحائط بأسعار تنفر لا تُقرب؟
نعلم أن ظروف التشغيل معقدة، وأن الحرب أثقلت كاهل الجميع، لكنكم الآن أمام لحظة مفصلية في تاريخ الوطن. فإما أن تكونوا شركاء في التخفيف، أو أن تُضاف أرقامكم إلى قائمة من زادوا أوجاع البلد والمواطن.
نُناديكم لأننا نعلم أنكم قادرون على أن تكونوا أكثر رحمة، وأكثر وعيًا باللحظة، وأكثر إدراكًا لحجم المسؤولية. فهل تعيدون النظر؟ هل تراجعون التسعير؟ هل تضعون الإنسان قبل الحسابات؟
وفي الختام، نرفع مناشدة صادقة إلى السلطات السودانية، بأن تُعيد تشغيل الناقل الوطني “سودانير” بشكل عاجل، وأن تتكفل بتسيير رحلات مجانية أو مدعومة لكبار السن، والعجزة، والمرضى، والطلاب، الذين اضطروا لمغادرة أوطانهم مجبرين لا مختارين. فهؤلاء لا يملكون ترف الانتظار، ولا قدرة على دفع تكاليف العودة، لكنهم يملكون حقًا أصيلًا في أن يعودوا إلى ترابهم، بكرامة وسلام.
وبين سودانير الغائبة وبدر وتاركو الحاضرة، سيظل النازحون بين مطارات مغلقة وأسعار لا ترحم… فهل ضاعت العودة في التسعير؟
العودة إلى الوطن ليست رفاهية، بل حق إنساني، وواجب وطني.
وإذا الوطنُ نادى ولم تُجبِ القلوبُ
فأيُّ نداءٍ بعده يُستجابُ؟
نحنُ الذينَ إذا اشتدّ الحنينُ بنا
نبكي على ترابٍ لا يُباعُ ولا يُغابُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى