مقالات الرأي
أخر الأخبار

عاكفة الشي تحاور مقرر مبادرة التكايا أحمد محمد دراج

حوار: عاكفة الشيخ

تعد التكايا واحدة من أعرق صور التكافل الاجتماعي في السودان، إذ ارتبطت عبر التاريخ بالدين والثقافة والعمل الإنساني، وامتدت جذورها منذ مملكة سنار وسلطنة دارفور كمراكز تقدم الطعام والعون للمحتاجين والمسافرين.

وفي ظل الظروف الاستثنائية التي مر بها السودان خلال الحرب الأخيرة، عادت التكايا لتلعب دورًا محوريًا في سد الفجوات المعيشية ودعم الأسر المتضررة والنازحين، مجسّدةً قيم التعاون والتراحم التي تميّز المجتمع السوداني.

حول هذه التجربة الإنسانية ودور مبادرة «راجعين للعودة والخدمات والبناء والتعمير» في تنظيم وتوسيع نشاط التكايا بمدينة أم درمان، أجرت وكالة السودان للأنباء (سونا) هذا الحوار مع مقرر المبادرة أحمد محمد دراج، الذي تحدث عن التجربة وأبرز التحديات والرؤى المستقبلية لتطوير هذا العمل التطوعي.

❖ بدايةً.. حدثنا عن تجربة التكايا التي نفذتموها ضمن مبادرة “راجعين”؟

قمنا بتقديم خدمات التكايا في خمسة أحياء بأم درمان، في إطار مبادرة أطلقنا عليها «راجعين للعودة والخدمات والبناء والتعمير».

شملت هذه الأحياء: العرضة وسط، العرضة شمال، العرضة جنوب، وتعويضات بيت المال شمال وجنوب، وهي مناطق متجاورة تتشارك في الخدمات الأساسية.

أقمنا عدة تكايا؛ منها اثنتان في العرضة وسط، واثنتان في العرضة شمال، وواحدة في العرضة جنوب، وأخرى في نادي المريخ.

وقد أُنشئت هذه التكايا وفق قرارات ولاية الخرطوم، خاصة في ظل غياب لجان الأحياء الفاعلة خلال تلك الفترة.

– ما طبيعة الدعم والمساندة التي وجدتموها أثناء تنفيذ هذه المبادرة؟

وجدنا تجاوبًا واسعًا من المجتمع والدولة على حدٍّ سواء.

فعلى المستوى الشعبي، كان الدعم كبيرًا من سكان الأحياء أنفسهم، حيث أسهموا بالمال والجهد والمتابعة اليومية.

أما على المستوى الرسمي، فقد وجدت المبادرة مساندة واضحة من حكومة الولاية والمحلية والأجهزة الأمنية، لا سيما وأن هذه المناطق كانت سابقًا تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع المتمردة، مما استدعى تعاونًا وثيقًا لتأمين العودة وتقديم الخدمات.

وماذا عن مصادر التمويل التي اعتمدتم عليها في تشغيل التكايا؟

جاء التمويل من أبناء هذه المناطق داخل السودان وخارجه، خصوصًا من المغتربين والخيرين الذين تفاعلوا مع النداءات الإنسانية.

كما قدمت الولاية والمحلية وإدارة الرعاية الاجتماعية دعمًا مقدرًا لتسيير العمل.

أما تكية نادي المريخ فقد أُقيمت بدعم كريم من رئيس النادي السابق المهندس عمر النمير، في شراكة مثمرة مع الجهات الرسمية ذات الصلة.

– كيف تقيّمون تجربة التكايا في هذه الأحياء؟

كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، إذ خدمت أعدادًا كبيرة من الأسر العائدة التي كانت تواجه ظروفًا معيشية قاسية.

قدمت التكايا وجبات منتظمة من الفطور والغداء باستخدام مواد غذائية محلية، وأسهمت بفعالية في معالجة مشاكل معيشية كبيرة خلال فترة الأزمة، ما جعلها نموذجًا يحتذى به في العمل المجتمعي التطوعي.

– ما أبرز التحديات التي واجهت استمرار هذه التكايا؟

أهم التحديات تمثل في تحقيق الاستدامة المالية والإدارية، وذلك عبر تنويع مصادر الدعم وتنظيم العمل الإداري والتمويلي.

فالاستمرارية تتطلب خططًا واضحة وإدارة منضبطة، حتى لا تتوقف المبادرات بزوال الظروف الطارئة أو بتبدل الإدارات.

– ما العوامل التي تراها ضرورية لإنجاح مبادرة “راجعين” وتحقيق أهدافها في العودة والبناء والتعمير؟

تقوم عوامل النجاح – في تقديرنا – على خمسة محاور أساسية وهي:

– توسيع قاعدة المشاركة الشعبية من خلال لجان أحياء مؤقتة، لتكون العودة شاملة ومبنية على احتياجات المواطنين الفعلية.

– وضع خطة مرحلية واضحة تبدأ بتهيئة الخدمات الأساسية مثل المياه والنظافة والكهرباء، قبل الانتقال إلى مراحل البناء وإعادة الإعمار.

– التنسيق المباشر مع الجهات الرسمية كالمحليات والوزارات المختصة والأجهزة الأمنية، لضمان الاستقرار والتكامل في الأداء.

– إنشاء منصة إعلامية للمبادرة لتوثيق الجهود، وبثّ روح الأمل، وإبراز النماذج الناجحة في العمل الطوعي.

-فتح باب الشراكات مع المنظمات الوطنية والخارجية لدعم عمليات إعادة الإعمار، وتشجيع استخدام بدائل الطاقة، خاصة الطاقة الشمسية، في المناطق المتأثرة.

– ما المناطق التي نجحت فيها تجربة التكايا، وما أبرز نتائجها؟

حققت التجربة نجاحًا لافتًا في مناطق العرضة وتعويضات بيت المال، حيث أسهمت في توفير وجبات يومية للمحتاجين والنازحين، وسدت فجوة الغذاء خلال الأزمة.

ومن أبرز نتائجها:

تخفيف المعاناة المعيشية عن الأسر المتضررة.

تعزيز روح التعاون والتكافل بين الأهالي.

إعادة الثقة في العمل الطوعي الشعبي كمصدر دعم حقيقي للمجتمع والدولة.

– تكية نادي المريخ كانت لافتة للانتباه.. هل حققت أهدافها؟

نعم، إلى حدٍّ كبير.

فقد أصبحت تكية المريخ نموذجًا للتضامن الإنساني والرياضي في آنٍ واحد، وأسهمت في دعم الأسر المتضررة داخل الحي وخارجه، مما أعطاها طابعًا خاصًا ومؤثرًا بين تجارب التكايا.

– كيف يجري التنسيق مع الجهات المختصة لتنفيذ المبادرة في مجالات الخدمات العامة؟

يجري التنسيق بصورة فعّالة ومستمرة، وهو يعدّ ركيزة أساسية في عمل المبادرة.

نركّز حاليًا على إعادة التيار الكهربائي لأحياء العرضة وتعويضات بيت المال بالتعاون مع شركة الكهرباء وولاية الخرطوم.

كما يجري العمل بتحريك الجهد الشعبي على صيانة المستشفيات والمراكز الصحية لتقديم الخدمات العلاجية، وتزويدها بوحدات طاقة شمسية بالتنسيق مع وزارة الصحة ورجال الأعمال والخيرين.

وفي المجال التعليمي، نعمل على دعم المؤسسات التعليمية لتؤدي دورها التربوي والتعليمي الكامل، إضافة إلى تنظيم حملات نظافة ورش بيئي وإزالة الأنقاض لتحسين المظهر العام للأحياء، وضمان بيئة صحية وآمنة لعودة السكان.

– كلمة أخيرة؟

أؤكد أن تجربة التكايا جسّدت روح التكافل السوداني الأصيل، وأثبتت قدرة المجتمع على النهوض بنفسه وقت الأزمات.

ونجاح مبادرة «راجعين» مرهونٌ باستمرار الشراكة بين المجتمع والدولة والمنظمات، حتى تتحقق العودة الكاملة والبناء المستدام، بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى