مقالات الرأي
أخر الأخبار

د.اخلاص محمد الأمين تكتب ✍️المردود الإيجابي والخطة الاستراتيجية لقرار إعادة فرض الرسوم الجمركية على واردات الكوميسا

د.اخلاص محمد الأمين تكتب
✍️المردود الإيجابي والخطة الاستراتيجية لقرار إعادة فرض الرسوم الجمركية على واردات الكوميسا

أولاً: ما هي الكوميسا؟
الكوميسا(السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي) هي منطقة تجارة حرة تضم 21 دولة عضو، من بينها السودان. الهدف الأساسي من الكوميسا هو خلق تكامل اقتصادي من خلال إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام التجارة البينية، مما يسمح بمرور السلع بين الدول الأعضاء بدون رسوم جمركية أو برسوم مخفضة جداً.
ثانياً: طبيعة القرار
قرار السودان هو إعادة فرض الرسوم الجمركية، وليس فرضها لأول مرة. هذا يعني أن السودان كان قد ألغى هذه الرسوم سابقاً التزاماً باتفاقية الكوميسا، ولكنه قرر التراجع عن هذا الالتزام.
*ثالثاً: الأسباب والدوافع وراء القرار*
1. *الأزمة الاقتصادية الطاحنة:*
· يعاني السودان من أزمة اقتصادية حادة، تشمل نقصاً في العملة الصعبة، وتضخماً مُفرطاً، وعجزاً كبيراً في الميزانية.
· تعتبر الإيرادات الجمركية مصدراً مهماً ومباشراً لتمويل الميزانية العامة للدولة. إلغاء الرسوم على الواردات كان يحرم الخزينة السودانية من هذا الدخل.
2. *حماية الصناعة المحلية والإنتاج الزراعي:*
· كانت السلع المستوردة من دول الكوميسا، وخاصة من كينيا وأوغندا، تتدفق إلى السوق السوداني بأسعار أقل بسبب عدم فرض الرسوم، مما كان يهدد المنتجات المحلية ويعجز عن منافستها.
· تأثرت بعض القطاعات الي منافسة غير عادلة بسبب بعض واردات دول الكوميسا
3. *اختلال الميزان التجاري:*
· صادرات السودان إلى دول الكوميسا (مثل الصمغ العربي والسمسم والماشية) كانت أقل حجماً وقيمة من وارداته منها (مثل السلع المصنعة والمنتجات الزراعية المُصنعة). أدى هذا إلى عجز في الميزان التجاري مع تلك الدول.
4. *السياق السياسي والشرعية:*
السيطرة على الاقتصاد واتخاذ قرارات جريئة لحماية المصالح الوطنية،
*رابعاً: الآثار والتبعات المتوقعة*
1. على المستوى المحلي (السودان):
*الإيجابيات* : زيادة الإيرادات الحكومية، حماية بعض القطاعات الإنتاجية المحلية من المنافسة، وتشجيع الإنتاج المحلي، والنفاذ الي الأسواق؛
*السلبيات* : ارتفاع أسعار السلع المستوردة من دول الكوميسا للمستهلك السوداني، مما يزيد من أعباء المعيشة في ظل تضخم مرتفع أصلاً.
2. على المستوى الإقليمي (علاقات السودان بدول الكوميسا):
· توتر العلاقات: هذا القرار يخرق بشكل صريح اتفاقية الكوميسا ويتوقع ان يؤدي إلى شكاوى رسمية من الدول الأعضاء الأخرى، وربما فرض عقوبات تجارية على السودان أو الدخول في نزاعات لدى منظمة التجارة العالمية.
3. على مستقبل التكامل الإقليمي:متوقع ان
· يضعف هذا القرار مصداقية منطقة الكوميسا ككيان للتكامل الاقتصادي. إذا بدأت الدول الأعضاء في انتقاء الالتزام بالاتفاقيات عند الضرورة، فإن الهدف من إنشاء السوق المشتركة
· يعكس التحدي المستمر الذي تواجهه مناطق التجارة الحرة في أفريقيا بين النظرية (الإلغاء الكامل للرسوم) والواقع (اعتماد الحكومات على هذه الرسوم في إيراداتها).
*خامساً* : قرار السودان هو يعكس تباين واضح بين الالتزامات الإقليمية طويلة المدى والضرورات الاقتصادية الوطنية قصيرة المدى. في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السودان، و أن الحاجة إلى الإيرادات وحماية السوق المحلي تفوق الفوائد النظرية للتجارة الحرة within الكوميسا.
هذا القرار، يبدو منطقياً من منظور سوداني داخلي، إلا أنه له تأثير على السودان تجارياً على المدى المتوسط والطويل ويعرقل عملية التكامل الاقتصادي الإفريقي التي تسعى إليها دول القارة.
قرار إعادة فرض الرسوم الجمركية على واردات الكوميسا هو قرار استراتيجي مهم. لإعداد خطة مستقبلية للاستفادة منه، يجب النظر إليه ليس كإجراء حمائي فقط، بل كفرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتحفيز الإنتاج المحلي.
*خطة مستقبلية للاستفادة من هذا القرار:*
*الرؤية* :
تحويل القرار من إجراء تحصيل إيرادات إلى أداة لإحداث تحول هيكلي في الاقتصاد السوداني، يعزز الإنتاج *المحلي، ويوفر العملة الصعبة، ويخلق فرص عمل.*
الأهداف الاستراتيجية:
1. تعزيز الإنتاج المحلي لتحقيق الأمن الغذائي والصناعي.
2. تنويع مصادر الإيرادات الحكومية من خلال تعزيز القطاعات الإنتاجية.
3. تحسين الميزان التجاري من خلال تقليل الواردات غير الضرورية وتشجيع التصدير.
4. جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى القطاعات الإنتاجية الواعدة.
*محاور الخطة التنفيذية:*
*المحور الأول: دعم وتنمية الإنتاج المحلي (الزراعي والصناعي)*
1. تحديد السلع الاستراتيجية:
· الزراعة: التركيز على السلع التي يستوردها السودان من الكوميسا بشكل كبير مثل (القمح، السكر، الذرة، زيوت الطعام).
· الصناعة: تحديد الصناعات التحويلية المنافسة للواردات مثل (المنسوجات، المنتجات الجلدية، المواد الكيميائية البسيطة، الدهانات، تعبئة المواد الغذائية).
2. حزمة حوافز للمنتجين المحليين:
· تسهيلات ائتمانية: توفير قروض ميسرة بفائدة منخفضة من البنك المركزي والبنوك التجارية للمزارعين والصناعيين في القطاعات المستهدفة.
· إعفاءات ضريبية مؤقتة: منح إعفاء من ضريبة الدخل لمدة 3-5 سنوات للمشاريع الجديدة في القطاعات المستهدفة.
· دعم مدخلات الإنتاج: توفير الوقود، الكهرباء، والأراضي بأسعار تفضيلية للمصانع والمشاريع الزراعية الكبيرة.
3. تطوير البنية التحتية:
· تطوير الريّ الزراعي لزيادة المساحة المزروعة.
· إنشاء وتطوير المناطق الصناعية المتكاملة لتوفير بيئة جاذبة للصناعات.
*المحور الثاني: تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمار*
1. حملة ترويجية استثمارية:
· توجيه رسالة واضحة للمستثمرين المحليين والأجانب مفادها: “السودان يحمي صناعته وزراعته، وهو الآن سوق مضمون لمنتجاتكم إذا أنشأتم مشاريعكم هنا”.
· إعداد “قائمة فرص ذهبية” بمشاريع إحلال الواردات وتقديمها للمستثمرين.
2. تبسيط الإجراءات البيروقراطية:
· إنشاء “نافذة واحدة” لاستخراج تراخيص المشاريع الإنتاجية لتقليل الوقت والتكلفة.
3. تشجيع الشراكات: تشجيع الشراكات بين القطاع الخاص السوداني المستثمرين من دول الكوميسا لإنشاء مصانع محلية، مستفيدين من معرفة السوق والخبرة الفنية.
المحور الثالث: تعزيز الإيرادات الجمركية والرقابة
1. تحديث منظومة الجمارك:
· مكافحة التهريب: تعزيز الرقابة على المنافذ البرية لمكافحة تهريب السلع المستوردة.
· التقييم الإلكتروني: تطبيق نظام التقييم الجمركي الإلكتروني (مثل نظام ASYCUDA) لتقليل التهرب الجمركي والتحايل.
· بناء الكفاءات: تدريب كوادر الجمارك على أحدث طرق التقييم والفحص.
2. سياسة رسوم ذكية:
· فرض رسوم مرتفعة على السلع الكمالية والسلع التي لها بدائل محلية.
· فرض رسوم مخفضة على السلع الوسيطة والرأسمالية (الآلات، معدات الإنتاج) التي يحتاجها القطاع الإنتاجي لتشجيعه.
*المحور الرابع: إدارة التداعيات قصيرة المدى*
1. مراقبة الأسعار:
· تعزيز دور جهاز حماية المستهلك لمراقبة السوق ومنع الاحتكار والاستغلال.
· التنسيق مع غرف التجارة والصناعة لتثبيت أسعار السلع الأساسية التي لها بدائل محلية.
2. شبكة أمان اجتماعي:
· في حالة ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية التي لا بديل محليًا لها مؤقتًا، يمكن توجيه دعم مباشر للفئات الأكثر احتياجًا.
*الجدول الزمني المقترح:*
· قصير المدى (0-6 أشهر):
· بدء تطبيق الرسوم.
· إعلان حزمة الحوافز للمنتجين المحليين.
· بدء حملة مكافحة التهريب.
· مراقبة الأسعار intensively.
· متوسط المدى (6-18 شهرًا):
· بدء تنفيذ المشاريع الجديدة المستفيدة من الحوافز.
· جذب الاستثمارات الأولى في قطاعات إحلال الواردات.
· تطبيق نظام الجمارك الإلكتروني.
· طويل المدى (18+ شهرًا):
· زيادة ملحوظة في الإنتاج المحلي للسلع المستهدفة.
· انخفاض في فاتورة الواردات.
· زيادة في الإيرادات الجمركية والضريبية من القطاعات الإنتاجية النامية.
· خلق فرص عمل جديدة.
النجاح في الاستفادة من هذا القرار لا يعتمد على فرض الرسوم itself، بل على ما يليه من إصلاحات وحوافز. إذا تم تنفيذ هذه الخطة بشكل متكامل، سيتحول القرار من مجرد رد فعل إلى سياسة صناعية وزراعية استباقية تضع السودان على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصنيع والنفاذ للأسواق الدوليه وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى