مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر الكلمة جلال الجاك أدول أبيي… بين حق الهوية وخطر التزوير

منبر الكلمة

جلال الجاك أدول

أبيي… بين حق الهوية وخطر التزوير

القضية التي أثارتها الصحفية هاجر سليمان حول ضبط أفراد يحملون مستندات تشير لانتمائهم إلى منطقة أبيي، رغم وجود معطيات تشكك في صحة هذا الانتماء، ليست مجرد خبر عابر ولا واقعة عادية يمكن تجاوزها بالصمت أو التهوين. إنها جرس إنذار يكشف ثغرة خطيرة في منظومة الهوية الوطنية، ويطرح أسئلة مشروعة حول إمكانية استغلال تلك الثغرات لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي والسياسي في واحدة من أكثر مناطق السودان حساسية وتشابكاً تاريخياً واجتماعياً.

أبيي ليست رقعة جغرافية فحسب؛ إنها تاريخ وهوية وحقوق متجذرة. وأي عبث بسجلها السكاني أو وثائقها الرسمية يُعد مساساً مباشراً بالأمن القومي ويهدد بإشعال توترات اجتماعية قد تتجاوز حدود المنطقة، إذا لم تتم معالجتها بحكمة ومسؤولية ومهنية عالية.

وأنا شخصياً الشهر الماضي تقدمت بمذكرة، مطالِباً بمراجعة الأرقام الوطنية التي ظهرت حولها شبهات، لأن حماية السجل الوطني مسؤولية عامة لا تحتمل المجاملة أو التغاضي. لم يكن ذلك استهدافاً لأحد، ولا موقفاً عدائياً تجاه الأشقاء من جنوب السودان، بل خطوة لحماية السجلات الوطنية ومنع أي استغلال محتمل لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

ومع تداول واقعة المواطن المعروف باسم ملونق/ و وليم دينق دوت كور، وظهور مستندات قيل إنها تحمل اسماً سودانياً مختلفاً، إضافة إلى حديث متداول في مواقع التواصل بشأن تدخل جهات رسمية لم يُثبت بعد تتضاعف المسؤولية وتبرز الحاجة إلى تحقيق شفاف وواضح يحدد الحقائق بلا إفراط ولا تفريط. المطلوب كشف كيفية استخراج هذه الوثائق، والتأكد من مدى قانونيتها، وتحديد أي تجاوزات إن وُجدت، ومحاسبة المتورطين وفق القانون دون اعتبار لموقع أو منصب.

إن حماية الهوية الوطنية مسؤولية دولة ومجتمع. الهوية ليست سلعة تُمنح بالمجاملة ولا تُنتزع بالتحايل. ودينكا نقوك ليسوا ضيوفاً في أرضهم ولا غرباء في تاريخهم، والدفاع عن حقوقهم يبدأ بتأمين السجلات الرسمية ومنع أي محاولات لتغيير الواقع القانوني والديموغرافي للمنطقة.

هذه القضية ليست صراعاً بين شعبين ولا خلافاً بين شمال وجنوب، بل ملف دولة تسعى لحماية هويتها ومنع التلاعب بقوانينها. المطلوب مكاشفة لا تشهير، عدالة لا خصومة، وشفافية تبني الثقة بدلاً من أن تهدمها.

الصمت في مثل هذه الملفات لا يحمي الوطن، بل يفتح الباب للفوضى والشائعات. أما الوضوح فهو الذي يصون الحق ويثبت الموقف ويحمي الدولة والمجتمع معاً.

أبيي ليست مساحة للمساومات، ولا رقماً في حسابات السياسة، بل أرض وتاريخ وحقوق لا تُباع ولا تُزوّر. والواجب الوطني يقتضي حماية سجلها وواقعها من العبث، أياً كان مصدره. فالشفافية لا تزعج إلا من يخشى الحقيقة، ومن يخشى الحقيقة لا مكان له في ملفات الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى