*متى نبتعد عن التفكير الجمعي في السودان؟* *تماضر ابو القاسم مدير عام شركة السلامة للتأمين واعادة التأمين*

*متى نبتعد عن التفكير الجمعي في السودان؟*
*تماضر ابو القاسم مدير عام شركة السلامة للتأمين واعادة التأمين*
تفكيرنا الجمعي دائرة ضيّقة نتحرك داخلها دون أن نرى ما وراءها؛ في السياسة وفي علاقاتنا الاجتماعية، نضع الناس في قوالب جاهزة بحسب الانتماء إلى حزب أو قبيلة، أو حتى طبقة اجتماعية معينة. و نفترض أن كل من ينتمي إلى حزبٍ ما يحمل الصفات نفسها، وأن أفراد القبيلة الواحدة يفكرون بالطريقة ذاتها.
هذا التعميم فرّقنا كثيرًا، ومزّق الثقة بين أبناء الوطن الواحد.
وما هو أخطر من التصنيف، هو غياب قبول الآخر المختلف عنك سياسيًا؛ مهما كانت صلة الدم أو الجيرة أو الزمالة التي تجمعكم، فأنت لا تنظر إليه بعين ما يربطكما، بل تظل تتعامل معه بعدسة مكبِّرة تركز فقط على الاختلاف السياسي.
__ التنوع هو مصدر القوة الذي يوسّع زاوية الرؤية، ويخلق حلولًا متعددة للمشكلة الواحدة. ونحن في السودان نملك تنوعًا نادرًا في الثقافات واللهجات والتجارب وطريقة النظر إلى الحياة.
هذا هو كنزنا الحقيقي الذي فقدناه، وبفقدانه تحوّل تنوعنا إلى مصدر للصراعات بدلا أن يكون مصدر غنى وفخر.
نرفض المختلف عنّا سياسيًا أو عرقيًا، أو حتى من حيث النوع، ذكرًا كان أو أنثى، ونرى أن وجوده يقلّل من قيمتنا ويهدّد أفكارنا، بينما الحقيقة أننا بذلك نفرّغ الوطن من أحد مقوّمات بقائه.
__ السودان لن ينهض بإقصاء الآخرين، ولا يُبنى بخلق نسخة واحدة من المواطن. __ الأجيال القادمة تحتاج إلى وطن يتّسع لهم جميعًا، لا أن نكتفي بأن نغنّي للوطن ليل نهار ثم نطعنه في مقتل بأفعالنا. حتى الفن، تلك الرسالة التي كان من المفترض أن تجمعنا على حب البلد وأهلها، حوّل بعض منه إلى سلاح من الكلمات للسبّ والشتم، وكلٌّ يغنّي لقطيعه.
__ الوطن هو المكان الذي يجد فيه الجميع فرصة للعيش والتقدّم دون خوف من انتمائهم أو رأيهم. التنوع ليس ترفًا، بل ضرورة لبقاء الإنسان. فالأسرة الواحدة، رغم اختلاف الأبناء في الشكل واللون والمزاج، تبقى متماسكة. وقد اعتدنا على القول المتوارث: *«البطن بطرانة»*؛ هنا يصبح اختلافهم مبرَّرًا، ولا يلغي تمسّكهم بالعيش تحت سقفٍ واحدٍ بمحبة واحترام.
__ بهذا المعنى، نحن أيضًا بحاجة لاحتضان من نختلف معهم، لا لإقصائهم. فلنسعد بهذا التنوع والاختلاف.
__ إذا أردنا أن نصبح أمة تستحق هذا الوطن العظيم، فعلينا أن نبدأ من داخلنا: أن نرى الإنسان قبل الحزب، والقيمة قبل القبيلة، وأن نحاور بنية الفهم لا بنية الانتصار. عندها فقط نستطيع رسم لوحة جميلة لوطنٍ يسع كل أبنائه، كما تسع الأسرة أبناءها بكل اختلافاتهم.
وعندها يعود السودان الذي لم يكن يقيّد الموظف بالعمل في ولايته فقط، بل يتاح له أن يتنقّل لخدمة كل الولايات، فيعرف طيبة أهلها وأرضها من التعايش معهم. والطالب لا يظلّ من بداية تعليمه حتى تخرّجه محصورًا في جامعات ولايته فقط، فيجهل جمال تنوّع وطنه الواسع.
__ *فلتحرص حكومة ما بعد الحرب على أن يلتقي الجميع في حب البلد ، ولّا نحتاج ان نحتمي بقبيلة أو بحزب أو بحركة مسلّحة من اجل عدم المساءلة عند تجاوز القانون.*
ولنذكر قوله تعالى، فالذكرى تنفع المؤمنين: *بسم الله الرحمن الرحيم (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)*
صدق الله العظيم.


