مقالات الرأي
أخر الأخبار

عمق المشهد عصام حسن علي يكتب….. السودان.. قلب القارة ورمانة ميزان أمنها

عمق المشهد

عصام حسن علي يكتب…..

السودان.. قلب القارة ورمانة ميزان أمنها

حين تنظر إلى خريطة إفريقيا بتأنٍ، تدرك أن السودان لم يكن يوماً مجرد دولة على الهامش. موقعه على تماسٍ مباشر مع البحر الأحمر، وتمدده وسط القارة، وحدوده المترامية مع سبع دول—كلها عناصر تجعل منه نقطة ارتكاز جيوسياسية لا يمكن تجاوزها. لهذا السبب ظل السودان دائماً «قلب القارة» بالمعنى الحرفي: إذا اختلّ هذا القلب، ارتجّ محيطه.

في السنوات الأخيرة، لم تعد هذه الحقيقة موضوعاً نظرياً. الأحداث التي شهدتها البلاد أظهرت أن استقرار السودان ليس شأناً داخلياً فحسب، بل مسألة تمس أمن الإقليم كله. أي تصدع في السودان يتردد صداه في جنوب السودان، وإثيوبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، ويمتد أثره إلى البحر الأحمر، أحد أهم ممرات الملاحة في العالم.

البحر الأحمر.. الشريان الذي يمرّ عبره العالم

لا يمكن الحديث عن وزن السودان من دون التوقف عند البحر الأحمر. هذا الساحل الممتد يشكل منفذاً استراتيجياً نادراً، ليس فقط للسودان، بل لمنطقة شرق أفريقيا بأكملها. ما يحدث على ضفاف هذا البحر ينعكس فوراً على حركة التجارة الدولية، وعلى أمن الطاقة، وعلى صراع القوى الكبرى الباحثة عن موطئ قدم في واحدة من أكثر الممرات البحرية حساسية.

ولهذا السبب، فإن أي اضطراب في السودان يتحول تلقائياً إلى جزء من معادلة الأمن في البحر الأحمر: تهديد للممرات، اتساع للتهريب، فراغات أمنية، وتحركات لقوى إقليمية ودولية تسعى لإعادة ترتيب ميزان النفوذ.

لماذا السودان هو «رمانة الميزان»؟

لا يعود الأمر فقط لموقعه الجغرافي، بل لشيء أعمق: السودان يجمع بين موارد ضخمة، وثقل بشري، وموقع يربط ثلاث مناطق استراتيجية—القرن الأفريقي، الساحل والصحراء، والبحر الأحمر.

حين يكون مستقراً، يعمل كجسر يربط هذه المناطق ويمتص جزءاً كبيراً من توتراتها. وحين ينهار، تتشظى الأطراف وتضطرب الحدود وتتدفق الأسلحة واللاجئون عبر خطوط هشة أساساً. ولهذا يرى كثيرون أن استقرار القارة يبدأ من الخرطوم قبل أي مكان آخر.

التحدي اليوم: قلب ينزف وقارة قلقة

الواقع أن السودان يعيش واحدة من أخطر مراحل تاريخه. الحرب لم تُدمّر المدن فحسب، بل جعلت الدول المجاورة في حالة تأهب دائم. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يفقد الإقليم توازنه إذا استمر النزيف السوداني؟ كثيرون في المنطقة يجيبون بـ«نعم» صريحة.

لكن رغم كل هذا، لا يزال السودان يحتفظ بما يجعله قابلاً للنهوض: عمق شعبي، موارد لم تُستثمر بعد، ووعي متزايد بأن أمنه جزء لا يتجزأ من أمن البحر الأحمر، ومن استقرار الإقليم كله.

الخلاصة

السودان ليس مجرد دولة يبحث العالم عن مساعدتها لإنهاء حرب. هو عقدة الوصل بين إفريقيا والبحر الأحمر والمصالح الدولية. استقراره مكسب للإقليم، واضطرابه خسارة تتجاوز حدوده. في لحظة حرجة كهذه، يصبح دعم عودة السودان إلى عافيته ليس عملاً تضامنياً فقط، بل ضرورة استراتيجية لكل القوى المرتبطة بأمن البحر الأحمر وأمن القارة.

هذا البلد كان قلباً للقارة—ولا يزال. لكنه يحتاج الآن لمن يساعده على استعادة نبضه، لأن نبضه هو الذي يضبط إيقاع المنطقة كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى