مقالات الرأي
أخر الأخبار

*التعليم ثم التعليم ثم التعليم…جرس إنذار في زمنٍ لا يحتمل الغفلة.. بقلم د. إسماعيل الحكيم*

*التعليم ثم التعليم ثم التعليم…جرس إنذار في زمنٍ لا يحتمل الغفلة.. بقلم د. إسماعيل الحكيم..*

_Elhakeem.1973@gmail.com_
لم يكن خروج السودان من التصنيف العالمي لجودة التعليم حدثًا وحادثةً تُستثنى ويسكت عنها ولا يمكن أن يمرّ خروجنا من جودة كإحدى موجعات ما بعد الحرب، ولا رقماً يُضاف إلى دفتر الخسارات الممتد بل هو إشارة حمراء صارخة، وجرس إنذار يدقّ بعنف في وجه الدولة وبرهانها، وفي مكاتب مجلس وزرائها، ليقول، إنّ المستقبل برمّته يقف اليوم على حافة الهاوية.
كان السودان — لعقود — مدرسةً إقليمية تمشي على قدمين إذ خرّج الأساتذة الذين شيّدوا التعليم في دولٍ أفريقية وعربية عديدة، وزرعوا قيم الانضباط والمعرفة في أجيالٍ ما زالت تحفظ للسودانيين فضل السبق والعلم والخبرة. واليوم، وبعد أن تعثّرت البلاد تحت أثقال الحرب، تراجع التعليم حتى خرج من خارطة الجودة الدولية، في مشهد لا يليق بتاريخ السودان ولا بكرامته ولا بذاك الإرث المعرفي الذي ظلّ محل فخرٍ واعتزاز للكثير من الشعوب..
ولعمري… إن في ذلك علامة خطرٍ كبرى فالدولة التي تهمل التعليم تهمل نفسها، والحكومة التي تنشغل بغير الإنسان إنما تهدم بسوء التدبير ما تبنيه بطيب النوايا.
إن حكومةً تسمّي نفسها حكومة الأمل لا يحقّ لها — بأي وجه من الوجوه — أن تغفل عن التعليم. فكيف يكون أملٌ بلا تعليم؟ وكيف يشاد إعمارٌ وتعميرٌ من دون عقلٍ مُدرّب، ويدٍ خبيرة، وكادرٍ مؤهل؟ وكيف تُبنى نهضة؟ وكيف يعود الوطن إلى أمنه واستقراره، إن لم يعد إلى مدرسته… إلى فصله… إلى معلميه… إلى كتبه ومنهجه وتاريخه؟
إن التعليم ليس بندًا في جدول الوزراء ثانوياً … بل هو روح الدولة وركنها الأكبر، وهو البذرة التي تبدأ منها كل زراعة، والشرارة التي تضيء كل نهضة.
ولذلك، فإن الواجب اليوم — قبل الغد — هو مراجعة شاملة وجذرية للعملية التعليمية كلها، من المناهج إلى تدريب المعلمين، ومن البنية المدرسية إلى البيئة الجامعية، ومن تمويل التعليم إلى الاستفادة من الكفاءات السودانية الهائلة المنتشرة في العالم، أولئك الذين صنعوا تعليم الآخرين حين ضاقت بهم أوطانهم.
وليس من الحكمة ولا من الرشد أن تتجاهل الدولة خبراءها، أو أن تكتفي بخطط شكلية لا تغيّر واقعًا ولا ترسم أفقًا. فالسودان — وهو يخرج من دخان الحرب — لا يحتاج فقط إلى إعادة بناء الطرق والجسور، بل يحتاج أولًا إلى إعادة بناء الإنسان… والإنسان لا يُبنى إلا بالعلم.
رسالتي إلى السيد رئيس مجلس الوزراء.. إن تبقّى لحكومتكم يومٌ واحد… فلتُنفق ساعاته ودقائقه وثوانيه في سؤالٍ واحد لا غير:كيف نصنع تعليمًا جيدًا لسودان ما بعد الحرب؟
فإن أُصلح التعليم انصلح كل شيء، وإن تُرك — لا قدر الله — انفرط العقد كله، وسقطت أحلام الإعمار والعودة والنهوض في أول الطريق.
التعليم… يا دولة الرئيس… ليس قطاعًا من قطاعات الحكومة، بل هو مستقبلها كله. وما لم نأخذ هذا الملف بالجدية التي يستحقها، فلن يكون هناك أمل… ولا إعمار… ولا عودة… ولا وطن يمكن أن يقف من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى