
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
13 ديسمبر… هندسة المشهد الأمني والسياسي
يأتي اليوم 13 ديسمبر باعتباره محطةً في الوعي الجمعي السوداني، في لحظة يتداخل فيها البعد الوطني مع تحديات إقليمية ودولية معقدة . إن الحديث عن اصطفاف السودانيين داخل الوطن وخارجه دعمًا للقوات المسلحة هو إدراكٌ واعٍ بأن معركة الكرامة معركة وجود، تُلزم السودانيين بوحدة الصف والتعالي على الانتماءات السياسية الضيقة لصالح الوطن.
لقد أدانت مؤسسات دولية وإقليمية جرائم مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين، وجاء تصريح المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك ليضع جوهر الصراع في صياغة الصحيح : “حرب تُدار بالوكالة وتستهدف الموارد الطبيعية للسودان”. وهذا الاعتراف الدولي ليس جديدًا على السودانيين الذين خبروا الحرب فوق أرضهم، لكنه يشكّل شهادة سياسية تعزز وحدة المصير وتغلق أبواب التزييف والخذلان .
إن خروج الجماهير في هذا اليوم لا يهدف إلى تثبيت دعم الجيش، فذلك ثابت رسّخته التضحيات اليومية، وإنما يهدف إلى إرسال رسالة حاسمة لكل من يراهن على تفكيك السودان أو ابتلاع قراره الوطني: أن الإرادة الشعبية هي الحصن الأول، وأن الوطن ليس ساحة للمساومة أو الابتزاز.
ويستعيد الوجدان السوداني في هذه اللحظة روايات التاريخ حين نهض الأجداد لحماية السيادة، وكأن المشهد يعيد للأذهان كرري وأم دبيكرات، لحظة تُختبر فيها الإرادة أمام آلة الحرب. والرسالة اليوم ليست بعيدة:من يفكر في كسر إرادة السودانيين عليه أن يستعد لكلفة لا طاقة له بها.
إن “يوم الوطن” ليس مناسبة خطابية، بل يوم تتقدم فيه المواقف على الكلمات، ويُختبر فيه معدن الرجال والنساء الذين يكتبون مستقبل البلاد بالفعل لا بالشعارات. ففي لحظة تتكالب فيها أجندات الخارج، يصبح صوت الوطن أعلى من أي صوت، ويغدو الاصطفاف خلف الجيش السوداني واجبًا وطنيًا يتجاوز السياسة إلى عمق الهوية والانتماء .
من المتوقع أن يشارك السودانيون داخل البلاد وفي المهجر لتحقيق جملة من الأهداف: أولًا: على المستوى المحلي، تعزيز الشرعية الوطنية للقوات المسلحة عبر تجسيد شعار “جيش واحد.. شعب واحد”، بما يرفع القدرة التفاوضية وفق الرؤية الوطنية: لا وجود للمليشيا في اليوم التالي للحرب.
إعادة فرز المشهد السياسي الداخلي وإبراز من يقف مع الدولة جيشا وشعبا ومن يتردد، بما قد يمهّد لظهور كتلة سياسية جديدة تتأسس على حماية الدولة والمشروع الوطني، لا على المحاور القديمة والصراعات الصفرية.
رفع الروح المعنوية وتماسك الجبهة الداخلية ، ففي الحروب طويلة الأمد تعادل المعنويات أثر السلاح، كما تُضعف محاولات المليشيا لشق الصف عبر الدعاية والتضليل. تضييق مساحة المناورة على داعمي الحرب: حين يتكلم الشارع يصبح الالتفاف على الحقيقة أصعب والتسليم بالواقع حتمي.
ثانيًا: على المستوى الإقليمي، إعادة ضبط حسابات دول الجوار (مصر، تشاد، جنوب السودان، إثيوبيا، ليبيا…) التي تراقب السودان من زاوية الأمن القومي، فالمشهد الشعبي الواسع يبعث رسالة: السودان ليس دولة منهارة، وجيشه يحظى بغطاء اجتماعي ودعم شعبي واسع.
زيادة الضغط على الأطراف الممولة للحرب، فحين يتحول الغضب إلى موقف جمعي، تُعاد الحسابات خشية تآكل النفوذ أو تصاعد الضغوط. الدفع نحو عزل الدعم السريع إقليميًا لأن جزءًا من التفاعل الإقليمي يتأثر بميزان القوى الشعبي والعسكري. بجانب إعادة الاعتبار للسودان في محيطه العربي والأفريقي بوصفه دولة قادرة على استعادة الاستقرار والعودة إلى دورها الطبيعي في تصدر القيادة وتعزيز الأمن في المحيط الإقليمي.
ثالثًا: على المستوى الدولي، تحويل الحشد الشعبي إلى ورقة ضغط دبلوماسية ، فالعواصم الكبرى والمنظمات الدولية تتأثر بحجم المشاركة ووحدة الرسالة، ما يعزز التعامل مع الحكومة و القوات المسلحة باعتبارهم الممثل الشرعي الوحيد للدولة .
تعزيز سردية الدولة في أنها حرب عدوان توجب تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية، فالدول الكبرى غالبًا تحتاج إلى غطاء سياسي وشعبي قبل القرارات الحاسمة، وقد يدفع ذلك نحو خطوات أشد صرامة. كذلك إضعاف الرواية الإعلامية للمليشيا وداعميها التي حاولت تصويرها كقوة شعبية أوضرورة سياسية. بالإضافة إلى تعزيز فرص الدعم الإنساني والاقتصادي حين يرى المجتمع الدولي الجيش السوداني قادر على استعادة الدولة وتماسكها.
وبهذا المعنى، وبحسب #وجه_الحقيقة، يصبح 13 ديسمبر مؤشرًا سياسيًا مهم لتأكيد : أن حماية الدولة لم تعد مسؤولية مؤسسة واحدة، بل واجب مشترك بين الجيش وشعبه، بين الداخل والمهجر، بين الذاكرة الوطنية والأرض. تلك هي بداية هندسةً للمشهد الأمني والسياسي في البلاد.
دمتم بخير وعافية.
السبت 13 ديسمبر 2025م Shglawi55@gmail.com



