مقالات الرأي
أخر الأخبار

جبريل ابراهيم.. وزير فوق المصافحة وسلطة بلا تواضع !!!

جبريل ابراهيم.. وزير فوق المصافحة وسلطة بلا تواضع !!!

أن يرفض وزير المالية مصافحة مواطن في مكان عام، فذلك ليس تصرفاً شخصياً عابراً، بل رسالة سياسية وسلوكية مكتملة الدلالة. رسالة تقول إن المنصب حجاب، وإن السلطة مسافة، وإن المسؤول ـ في تصوره ـ لم يعد واحداً من الناس، بل فوقهم.

وزير المالية ليس زعيماً منتخباً حملته صناديق الاقتراع، ولا مفوضاً بتفويض شعبي واسع. هو موظف عام جاءت به موازنات الحرب، وتسويات السياسة، واتفاق سلام لم يحظَ بإجماع السودانيين، ولا يزال محل جدل واسع. ومن هذا الموقع تحديداً، يصبح التواضع واجباً لا ترفاً، والاقتراب من الناس جزءاً من الشرعية لا تفصيلاً شكلياً.

المفارقة المؤلمة أن الذاكرة السياسية القريبة تحتفظ بنموذج مغاير في شخص شقيقه الراحل دخليل، أحد مؤسسي حركة العدل والمساواة، الذي كان يمشي بين الناس ببساطة، يصافحهم، ويستمع إليهم دون ترفع أو حواجز، قبل أن يُقتل في أحداث أم درمان. وبصرف النظر عن الموقف من أهداف الحركة وخياراتها التي دفعتها لحمل السلاح في ذلك الزمان، فإن الرجل يُحسب له أنه حافظ على سلوك إنساني متواضع، أدرك فيه أن السياسة علاقة بالناس قبل أن تكون موقعاً فوقهم.

المقارنة هنا ليست عائلية، بل سياسية وأخلاقية. بين مسؤول يرى في المنصب امتيازاً، وآخر ـ وإن اختلفنا مع مشروعه ـ لم يتخلّ عن لغة الناس وسلوكهم. وهي مقارنة تكشف واحدة من أزمات الحكم في السودان: أزمة النخبة التي تتعامل مع السلطة بوصفها قطيعة مع المجتمع، لا امتداداً له.

في بلد يئن تحت وطأة الحرب والغلاء وانهيار الخدمات، لا يملك وزير المالية رفاهية التعالي. فوظيفته لا تتوقف عند إدارة الأرقام، بل تبدأ بالإحساس بوجع الناس الذين يدفعون ثمن كل قرار مالي. والمصافحة، وإن بدت تفصيلاً بسيطاً، هي في السياسة اعتراف متبادل بالكرامة.

السلطة التي لا تُلامس الناس تفقد معناها سريعاً، والمسؤول الذي ينسى أنه خادم عام، يذكّره الشارع عاجلاً أو آجلاً بأن المناصب زائلة، وأن ما يبقى هو السلوك… لا الكرسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى