
في مثل هذا اليوم من عام 1955م، لم يكن البرلمان السوداني مجرد قاعةٍ للتشريع، بل كان قلب أمةٍ يخفق، وصوت شعبٍ قرر أن يكتب اسمه بيده، وأن يخرج من ظلال الوصاية إلى فضاء الحرية.
في ذلك اليوم المجيد، وقف نواب الشعب لا ليختلفوا، بل ليتحدوا، ولا ليحسبوا المكاسب، بل ليحسموا المصير، فأُعلن استقلال السودان من داخل البرلمان، فقد كان قرارًا وطنيًا خالصًا، لم تُملِه قوة، ولم تفرضه بندقية، بل أنجزه وعيٌ جمعيٌ نادر، وإرادةٌ شعبيةٌ لا تُقهر.
كان ذلك الإعلان تتويجًا لمسيرةٍ طويلة من النضال:
نضال المزارع في الحقول، والعامل في المصانع، والطالب في المدارس، والمناضل في السجون، والسياسي الذي آمن أن الحرية لا تُستورد، بل تُنتزع انتزاعًا.
إن ذكرى الاستقلال ليست احتفالًا بالتاريخ فحسب، بل وقفةٌ صادقة مع الذات، ومساءلةٌ للضمير الوطني. لقد أراد الآباء المؤسسون سودانًا حرًا، سودانًا يتساوى فيه الجميع أمام القانون، تُصان فيه الكرامة الإنسانية، وتُدار فيه الخلافات بالحوار لا بالعنف، وبالإرادة الوطنية لا بالتدخلات الأجنبية.
وفي زمنٍ تتكاثر فيه التحديات، وتتعاظم فيه المحن،
تبقى ذكرى التاسع عشر من ديسمبر 1955 بوصلةً أخلاقيةً ووطنية، تذكرنا بأن هذا الشعب، متى ما توحد، لا يُهزم،
ومتى ما اختلف على الوطن، ضاع الطريق.
فلنجعل من إحياء هذه الذكرى عهدًا جديدًا مع السودان،
عهدًا بأن يكون الاستقلال ممارسةً يومية، في الحكم الرشيد،
وفي صون السيادة، وفي حماية الإنسان، وفي بناء دولةٍ تليق بتضحيات الآباء وأحلام الأبناء.
اليوم، يحق لنا أن نجدد وعدنا لجميع الشعب السوداني، وخاصة لشعب غرب دارفور الحبيبة، ولا سيما أولئك الموجودين في ساحات القتال وأولئك الذين يعيشون في مخيمات النزوح واللجوء، ولجميع الشباب: لقد ضحينا بدمائنا من أجلهم قبل أفكارنا وإدارتنا للولاية،كل ذلك من أجل الخلاص من ميليشيات الجنجويد وقطع صلة الساسة والمرتزقة بالوصاية الدولية.
ولنجعل من هذا اليوم عهدًا لتطهير الوطن من الطامعين، وكل من يسعون لتمزيقه وتخريبه، وعهدًا للدفاع عن السودان وحدته، وكرامته، ومستقبله.
المجد لشهداء الوطن،
الخلود لتجربة الاستقلال،
وعاش السودان حرًا، موحدًا، أبيًا.
الجنرال بحر الدين ادم كرامة
والي ولاية غرب دارفور


