اخبار عالمية
أخر الأخبار

شرب الشاي الساخن عند المدفأة سمير باكير يكتب…

شرب الشاي الساخن عند المدفأة

سمير باكير يكتب-
يا ليتني لم تُخترع وسائل التواصل الاجتماعي أبداً، يا ليتني لم يُخترع التلفاز أو حتى الراديو. يا ليتني لم يكن هناك أبداً أمية القراءة والكتابة. يا ليتني صُدِرَت قوانين تمنع أحداً من معرفة أي شيء عن العالم. يا ليتني كان الإنسان لا يزال في عصر الكهوف ولم يُعْرَفْ بالقرية العالمية. أقول هذه التمنيات لأنّ بين آلاف الأخبار التي تشغل عقولنا يومياً، هناك أخبار تجعل عقولنا تُصْفِرُ من سماعها وقراءتها.

مثال بسيط هو الإجراء الأخير للاتحاد الأوروبي الذي خصّص 90 مليار يورو لمساعدة أوكرانيا. أمّا من له الحق في حرب أوكرانيا وروسيا فهو أمر مجهول بالنسبة لنا، لأنّ على جانب واحد أوكرانيا التي تريد الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي من أجل مصالحها، وعلى الجانب الآخر روسيا التي ترى ذلك تهديداً لكامل أراضيها.

لكن ما يفوق أهميّة جوهر الحرب هو سلوك الدول الأوروبية، أو حلفاء أوكرانيا كما يصفون أنفسهم. بحسب قولهم، أنفقوا حتى الآن 180 مليار يورو على أوكرانيا، وخصّصوا 90 ملياراً أخرى، ويريدون تخصيص 200 مليار يورو من أصول روسيا في البنوك الغربية أيضاً. ربّما لا تهمّ حرب أوكرانيا شعوبنا العربية والإسلامية، لأنّها خارج نطاقنا الجغرافي والأرضي، لكنّ هذه الأخبار تحرقنا إلى النخاع حين نتذكّر أنّ غزّة بمليوني ساكن عربي مسلم، تعاني منذ أكثر من عامين تحت نيران طائرات إسرائيل الحربية، والمجاعة والجوع. منذ أسابيع، اجتاح البرد مع الأمطار الغزيرة غزّة، حتّى لم تعد الخيام قادرة على الصمود واقتحمت النازحين كالأنقاض. منذ أسابيع، يتجمّد أطفال غزّة قبل أن ينطقوا بكلمتي “أب” و”أم”، أو يذوقوا دفء الدفء. منذ أسابيع، لم يعد أجساد أطفال غزّة النحيلة بحاجة إلى مدفأة أو نار للتدفئة أو طعام للشبع، لأنّ رصاص إسرائيل يقطع حلوقهم أو يأخذ البرد أرواحهم.

هذا العذاب اللامتناهي يجري على غزّة بينما يبقى لشعوبنا العربية والإسلامية سؤال واحد: أليست لدينا الاتحاد العربي كالأوروبي؟ أليست لدينا منظمّة التعاون الإسلامي؟ فكيف ينفقون مئات المليارات على أوكرانياهم، بينما اتحادنا العربي ومنظّمتنا الإسلاميّة لا يقيمان حتّى بياناً واحداً بصعوبة لأجل غزّة؟ أليست بلداننا الإسلاميّة والعربيّة جالسة على كنوز هائلة؟ فلماذا لا تُنْفَقْ قطرة من هذا البحر العظيم على أطفال غزّة؟ ألا نقول إنّنا نريد أن نكون متقدّمين عالميّين كالغرب؟ فكيف لا نتصرّف مثلهم، ولا ندعم غزّة كما يدعمون أوكرانيا؟

نحن عامّة الناس لا نعرف من له الحق في الحرب، روسيا أم أوكرانيا، لكنّنا نعرف أنّ الغرب ينفق مليارات الدولارات على التزاماته تجاه أوكرانيا التي تقاتل نيابة عنه ضدّ روسيا، بينما نحن لا ننفق شيئاً على غزّة التي تقاتل نيابة عنّا ضدّ إسرائيل، بل نطعنها في الظهر بمصافحة قادة إسرائيل وأمريكا. أطفال غزّة يتجمّدون من البرد ويموتون جوعاً، ونحن جالسون عند مدفآتنا الدافئة في بيوتنا نشرب الشاي الساخن ونأكل الطعام اللذيذ، نستمع إلى أخبار تقول: “أوروبا خصّصت 90 مليار دولار لأوكرانيا”. جالسون على كراسينا الدافئة، ولا نسأل أبداً: ماذا حلّ بالتزام شرم الشيخ لمساعدة غزّة؟ ولماذا لا خبر حتّى عن يورو واحد لإنقاذ أطفال غزّة من البرد والجوع، أو كلمة واحدة لإيقاف آلة الحرب الإسرائيليّة؟ حقّاً، لماذا لا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى