مقالات الرأي
أخر الأخبار

همسه وطنيه دكتور طارق عشيري الحرب مرآة عكست حقيقة السودان

همسه وطنيه
دكتور طارق عشيري

الحرب مرآة عكست حقيقة السودان

عودتي للخرطوم اكدت لي صلابة هذا الشعب وقوه تحمله وماسمعته من حكاوي تؤكد انه شعب لاينهزم ولن يرفع الرايه او الاستسلام في وجه اي اعتداء عليه حيث
لم تكن الحرب التي اجتاحت السودان مجرّد( مواجهةٍ عسكرية أو صراعٍ على النفوذ)، بل كانت( مرآة ضخمة وشفافة)، أجبرت الجميع على النظر بعمق إلى حقيقة هذا الوطن. (مرآة عكست ما كُنّا نُخفيه تحت ركام الخطابات)، وما( تجاهلته الحكومات المتعاقبة)، وما لم يتوقف المجتمع بما يكفي للتأمّل فيه. ففي لحظة الانفجار، ظهر السودان على حقيقته: (وطنٌ عظيم المنبت)، (هشُّ البنية السياسية)، (قويُّ الشعب)،( ضعيفُ المؤسسات)،( عريقٌ في تاريخه، مُستنزفٌ في حاضره)، (لكنه لا يزال قادرًا على النهوض من جديد).
أول ما كشفته الحرب هو( بسالة الإنسان السوداني). ذلك المواطن البسيط الذي لم يجد دولة تحميه ولا مؤسسة تقف خلفه، فصنع شبكاته بنفسه، وأدار أزماته بوعيه، وفتح بيته ومخزونه لغيره. من دنقلا إلى الفاشر، ومن القضارف إلى بورتسودان، كان السوداني هو الحائط الذي وقف في وجه الانهيار. شكّلت الحرب لحظة نادرة انكشف فيها معدن الشعب، ذلك المعدن الذي لا تصنعه الخطب، بل تصنعه المحن.
كما (كشفت الحرب هشاشة الدولة التي ظلت لسنوات طويلة محمولة على كتف الشعارات)، بينما مؤسساتها تُبنى على الرمال. لم تُخفِ الحرب عيوب النظام السياسي فحسب، بل فضحت تراكمات عقودٍ من الإهمال، ومن (ضعف التخطيط)، ومن (السياسات التي صنعت دولة قائمة على الأشخاص لا على اللوائح)، و(على الولاءات لا على القانون). فظهر للعين المجرّدة( مدى ضيق الأفق السياسي)، (وعمق الانقسام)، (وسهولة الانهيار أمام أول اختبار حقيقي).
ولم (تتوقف المرآة عند الداخل)، بل (عكست صورة السودان أمام العالم). ظهر( كيف يتعامل المجتمع الدولي بازدواجية)، وكيف( تُقاس الأزمات بميزان المصالح لا بميزان الإنسانية). رأى السودانيون أن دمهم لا يحرّك العواصم الكبرى، وأن صراخ المدن المحاصرة لا يُسمع إلا إذا مرّ عبر بوابة السياسة.
ومع ذلك، ورغم الكسر والوجع، قدّمت الحرب درسًا آخر: أن السودان ليس ركامًا، وأن هذا الشعب — الذي خرج من أعمق جراحه في التاريخ — قادر على كتابة بداية جديدة. فوسط النار ووسط الدمار، (وُلد وعيٌ مختلف)، (ووُلد إحساسٌ جماعي بضرورة بناء دولة حقيقية)،( دولة مؤسسات لا تُخترق)، و(جيش واحد لا يتشظّى)، و(سلطة لا تقوم على التحالفات المؤقتة).
الحرب مرآة قاسية، لكن صورتها ليست النهاية. بل هي بداية صادقة لفهم ما يجب أن يتغيّر.( السودان الذي ظهر في مرآة الحرب ليس وطنًا منهزمًا)، بل وطنًا يحتاج إلى صيانة، إلى عدالة، إلى مصالحة، وإلى قيادة تُشبه حجم تاريخه لا حجم أزماته.
وسيظل السودان — مهما اشتدت العواصف — وطنًا أكبر من الحرب، وأقدر على الحياة من كل من أرادوا له الموت. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى