مقالات الرأي
أخر الأخبار

*إتجاهات* *بابكر بشير* *حين تنقلب الحركات علي شعوبها* *بشرعنة القتل و مفارقة الشعارات*

*إتجاهات*
*بابكر بشير*

*حين تنقلب الحركات علي شعوبها*
*بشرعنة القتل و مفارقة الشعارات*

تقول إنها ولدت من رحم المظالم، فرفعت بذلك شعارات العدالة و الحقوق و الحرية، و وعدت بتأسيس دولة جديدة تُنصف الغلابة في الهامش، و تكسر احتكار السلطة و الثروة.
هكذا صدحت الحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ حضورها في المشهد السياسي السوداني منذ ميلادها الأول. غير ان تاريخها يكشف مفارقات مؤلمة، حيث انقلبت علي القيم التي وعدت و بشرت بها، حيث تُمارس القتل و القمع و التهجير و الحصار بحق الشعوب ذاتها التي ادعت تمثيلها، متذرعة بضرورة التطهير الثوري و حماية “المشروع” بدلاً عن الإنسان، من خلال إختزال العدالة في الولاء للحركة، و الحقوق بمدى الانخراط في صفوفها، و شرعنة الانتهاكات بوصفها وسائل ضرورية لغاية آسمي، فتأكل الغاية ذاتها، كما “تأكل القطة بنيها” حينما ترفع الثورة كفكرة مجردة فوق حياة البشر.
هذا المنطق الممجوج لا يقدم اي ثورة مطلبية، بل يؤسس لدورة عنف لا تنتهي مع الوقت. من يشرعن الدم اليوم سيجده مباحاً غداً ضده.
اخطر ما تفعله الحركات المنقلبة على شعوبها، هو اغتيال السياسة نفسها، فبدلاً ان يكون المجتمع شريكاً في البناء، يعامل كعدو محتمل، تستباح كرامته و آدميته، و تعاد إنتاج الإستبداد و القهر بأسماء و شعارات جديدة. من يسعى لتأسيس دولة عادلة علي ركائز جديدة، لا يقيمها على جماجم الناس، و لا يبنيها بمليشيا الأخلاق. الدولة منظومة مبادئ و قيم و أخلاق، قبل ان تصير منظومة قوانين و سلطة و نفوذ، أولى مبادئها “العدالة، الحرية، السلام، الكرامة” التي يعبر عنها بحماية الإنسان نفسه، و احترام حياته، و كرامته، لا باكراهه وقتله و تشريده، و تهجيره من موطنه الاصل.
ما يحدث في “عروس الجبال” الدلنج هو جريمة في حق الإنسانية، قصفٌ يستهدف مدينة مأهولة بالسكان، ودماءُ مدنيين أبرياء تُسفك بلا ذنب، فقط لأنهم يعيشون في مدينة أرادت أن تبقى خارج منطق العنف.
إنّ السلوك العدواني الذي ظل تمارسه الحركة الشعبية تجاه المدنيين بين الفينة و الأخرى في المنطقة، يكشف بجلاء سقوطاً أخلاقياً فادحاً،
سقوط للشعارات البراقة التي طالما رفعتها يوماً ما باسم “التحرير” و “العدالة” في وقت تتحول المدافع إلى أدوات انتقام أعمى، لا تفرّق بين طفل او امرأة، و لا بين شيخ كهلٍ و مريض مقعد، و لا بين بيت و مدرسة او مستشفى.
ما يجرى من قصف و حصار للدلنج و كادقلي هو استهداف متعمّد لحياة المواطنين في المنطقة، ورسالة رعب موجهة لمجتمع أعزل، لا يحمل سلاحاً ولا يشارك في معركة، سوى أنه تمسّك بحقه في الأمان و الدفاع عن نفسه و عرضه و ماله.
إنه عقاب جماعي وجريمة مكتملة الأركان، تُضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي دفعت ثمنها مجتمعات جبال النوبة مراراً وتكراراً.
الدلنج و كادقلي اليوم تنزف، وأهلها لا يطالبون إلا بأبسط الحقوق: أن يعيشوا كرماء دون خوف، و أن ينام أطفالهم دون دوي قذائف، و أن لا يُقتلوا باسم قضية لم تعد تشبه العدالة في شيء، الحقوا الدلنج قبل ان تكون “فاشر” اخري.

رحم الله الشهداء، وشفى الجرحى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى