
م. طلال محمد سعيد
البرق الخاطف
عن رجل سيُكتب عنه التاريخ
في كل مرة أعود لتأمل شخصية الفريق أول ركن عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان، أجدني أمام نموذج نادر في عالم السياسة والعسكر معًا. رجل يجمع بين الذكاء الحاد، والبصيرة البعيدة، و القدرة على قراءة الواقع الدولي بتفاصيله الدقيقة، كما لو كان أمام لوحة مفتوحة على احتمالاتها كافة.
البرهان ليس كما يرى كثيرون ليس مجرد قائد عسكري تقليدي.
فمن علوم الاستراتيجية، وخفايا المناورة، إلى دهاليز السياسة الدولية و دبلوماسيتها المعقّدة، استطاع أن يمسك بخيوط كثيرة في لحظة سودانية استثنائية. دوائر أجنبية عديدة وجدت نفسها في حيرة: كيف لقائد من بلد يعيش تحديات داخلية و إقليمية كبيرة، أن يفرض حضوره بهذا القدر، و أن يربك حسابات أكثر من عشرين دولة بين خصم و مراقب و مَنْ يختبئ خلف شعار “الحياد”؟
حديث العواصم والصحف و التقارير لا يتوق
بين من يحاول تحليل خطواته، و من يسعى لتوقع قراراته التالية، ظل الرجل حاضرًا في مركز المشهد. بهدوئه، وبذلته الزرقاء الغامضة التي يستخدها كثيراََ لإرباك الخصم بالغموض و عدم توقع ردود الأفعال و كذلك الرمادية التي توحي بالحكمة و البراغماتية، و بكرفته حمراء تُقرأ في كل مرة كإشارة إلى الانتصار و الثقة بالنفس.
قدرة البرهان على المناورة ليست مجرد حيلة ظرفية؛ بل منهج متكامل في إدارة الأزمات.
لهذا يصفه البعض بـ “كاهن الخداع الاستراتيجي” إذ ينجح في تبديل قواعد اللعبة عندما يظن الجميع أن المسار بات واضحًا و مغلقًا.
بلا شك أن شخصيته، بما تحمل من جدل وإثارة وأسئلة، ستجد طريقها إلى مناهج الأكاديميات العسكرية حول العالم، كنموذج لزعيم تمكن في لحظة فارقة من إعادة ترتيب رقعة الشطرنج الإقليمية، وتغيير موازين كثيرة.
أقول هذا عن معرفة و دراسة، لا عن عاطفة عابرة.
فالتاريخ، عندما يكتب بصراحة، لا ينحاز إلا إلى من ترك أثرًا واضحًا خصمًا كان أو حليفًا لا يمكن تجاهله.



