موازنة 2026… بين معجزة الأرقام واختبار الواقع بقلم إدريس هشابه

موازنة 2026… بين معجزة الأرقام واختبار الواقع
في ظل ظروف بالغة التعقيد تمر بها البلاد، تفرض الحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية نفسها على كل مفاصل الدولة، تأتي إجازة موازنة العام 2026 بوصفها تحدياً حقيقياً لحكومة الأمل، واختباراً جدياً لقدرتها على تسيير دولاب الدولة، ووضع الاقتصاد الوطني على مسار التعافي والاستقرار. فإجازة موازنة في هذا التوقيت ليست إجراءً فنياً فحسب، بل رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن الدولة ما زالت قائمة، وقادرة على التخطيط رغم النزيف المستمر.
الأمين العام لمجلس الوزراء، علي محمد علي، كشف أن موازنة 2026 التي أجازها المجلس تضمنت تحسين الأجور والمعاشات، وتوفير الخدمات الأساسية في الولايات المتأثرة بالحرب، إلى جانب توسيع مظلة التأمين الصحي بإدخال مزيد من الأسر تحت التغطية، فضلاً عن توفير احتياجات القوات النظامية، وتحسين أوضاع النازحين. وهي حزمة أولويات تعكس محاولة الموازنة بين متطلبات الأمن، والبعد الاجتماعي، والحاجات المعيشية للمواطنين.
ووصف رئيس الوزراء كامل إدريس هذه الموازنة بأنها «معجزة اقتصادية»، في إشارة إلى صعوبة إنجازها في ظل واقع تتراجع فيه الموارد، وتتزايد فيه الضغوط. كما أشار الأمين العام إلى أن موجهات الموازنة لا تتضمن فرض أي أعباء ضريبية إضافية على المواطنين، مع توقعات بتحقيق معدل نمو يصل إلى 9%، وانخفاض التضخم إلى نحو 65%، وهي أرقام طموحة إذا ما قورنت بالوضع الراهن.
غير أن الاعتراف بصعوبة الإنجاز لا يعني الاكتفاء بالاحتفاء بالأرقام. فالتحدي الحقيقي يبدأ بعد إجازة الموازنة، في كيفية تحويلها من وثيقة مالية إلى أداة فاعلة لمعالجة جذور الأزمة. ويظل دعم المشروعات الإنتاجية، وعلى رأسها القطاع الزراعي، أولوية لا تحتمل التأجيل، خاصة أن هذا القطاع تضرر بشكل كبير بفعل الحرب، وفقد كثير من المنتجين رؤوس أموالهم، فيما خرج آخرون تماماً من دائرة الإنتاج.
إن توفير التمويل الزراعي الميسر، وإعادة تأهيل البنيات الأساسية للإنتاج، يمثلان شرطاً ضرورياً لأي تعافٍ اقتصادي حقيقي. كما أن تشجيع الاستثمار الأجنبي يظل خياراً استراتيجياً لا غنى عنه، شريطة تهيئة بيئة استثمار جاذبة، ومراجعة القوانين والتشريعات المقيدة، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس السيادة خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، في محاولة لفتح نوافذ جديدة أمام الاقتصاد السوداني.
لكن، ولعل الأهم من كل ذلك، هو محاربة الفساد بلا تردد، وتفعيل القوانين المتعلقة بحماية المال العام، وعدم التساهل مع المتهربين من الضرائب، إلى جانب مكافحة التهريب وإيقاف استيراد السلع غير الضرورية التي تستنزف النقد الأجنبي. فبدون حوكمة صارمة وعدالة في توزيع الأعباء، ستظل أي موازنة – مهما وُصفت بالمعجزة – عرضة للتآكل.
موازنة 2026 تمثل خطوة مهمة في طريق طويل وشائك. نجاحها لا يقاس فقط بإجازتها، بل بقدرة الحكومة على تنفيذها بعدالة وكفاءة، وربطها ببرنامج إصلاح اقتصادي حقيقي يعيد الثقة بين الدولة والمواطن، ويضع السودان على طريق الخروج من نفق الحرب إلى أفق الاستقرار والتنمية.



