اخبار محلية

وصية الباقر العفيف الأخيرة: علم السودان بين التاريخ والسياسة ومتى يأتي التغيير؟

كان متواجدا في وصية الباقر العفيف الأخيرة: علم السودان بين التاريخ والسياسة ومتى يأتي التغيير؟

المصدر / التغيير

يعتبر العلم السوداني القديم رمزاً مهماً يعكس مرحلة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية، حيث يجسد تنوع البلاد ووحدتها بعيداً عن أي إقصاء. في الوقت الراهن، تتجدد الدعوات لإعادة تقييم رمزية العلم الوطني، مع اقتراحات تستند إلى قيم الوحدة والتاريخ المشترك بين أبناء الوطن.

قبل وفاته، دعا الدكتور الباقر العفيف إلى إعادة تبني العلم القديم، مشيراً إلى أهمية إضافة رمزية جديدة تعكس نضالات الشعب السوداني. تأتي هذه الدعوات في سياق الحاجة إلى تعزيز الهوية الوطنية وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات الراهنة.

إن إعادة النظر في رمزية العلم الوطني قد تكون خطوة مهمة نحو تعزيز الانتماء الوطني، حيث يمكن أن تسهم في بناء جسور التواصل بين مختلف مكونات المجتمع السوداني. من خلال هذه المبادرات، يسعى الكثيرون إلى تحقيق رؤية مشتركة لمستقبل البلاد، تستند إلى تاريخها الغني وتنوعها الثقافي.

التغيير – فتح الرحمن حمودة

استجابة لدعوة العفيف في وصيته، قامت “التغيير” بإجراء استطلاع بين المثقفين والمهتمين من الشباب السودانيين بشأن هويتهم الوطنية. وقد تنوعت آرائهم حول مدى تمثيلها للتنوع الثقافي والجغرافي للبلاد. في هذا الإطار، قدّم الكثير منهم آراء حول رمزية العلم الحالي مقارنة بعلم الاستقلال.

يقول موسى إدريس في حديثه مع “التغيير” إن العلم القديم للسودان يعد جزءاً من الذاكرة الجغرافية والتنوع الثقافي في البلاد، حيث تعكس رموزه الثلاثة بيئة السودان وتنوعه الجغرافي. ويؤكد أن هذا العلم يمثل الأساس الذي يربط مشاعر السودانيين، مشيراً إلى أن ثورة ديسمبر أعادت إحيائه وجعلته موجوداً في وعي الأجيال الجديدة.

ويشير إدريس إلى أن علم الاستقلال يجب أن يُعتبر العلم الرسمي للبلاد، حيث يمثل رمزًا قويًا يعالج قضايا الهوية، كما ذكر الباقر. وأضاف أنه يحمل دلالات تتجاوز الأفكار الأيديولوجية الأحادية، وعلق قائلاً: “إن النشيد الوطني، من وجهة نظري، يحتاج إلى تحديث ليعكس قيم الحرية والسلام والعدالة، مما يساهم في خلق وعي جديد يتجاوز خطاب العنف والإقصاء.”

قد انتقد الراحل الباقر العفيف العلم الحالي، معتبراً أنه يعكس فقط هوية الطبقة الحاكمة ولا يمثل التنوع الثقافي الغني للسودانيين. ورأى أن هذا الإقصاء الرمزي يعكس، من وجهة نظره، نوايا سياسية وثقافية تؤدي إلى تدمير النسيج الوطني.

قال عبدالرحمن برومو إن اختيار ألوان العلم الحالي كان بمثابة محاولة للاقتداء بالأعلام العربية، مما جعله مرتبطًا بسياق سياسي يتعلق بانضمام البلاد لجامعة الدول العربية. وأضاف: “إن ارتباط السودانيين بالعَلَم الحالي جاء نتيجة لفرض واقع حيث قامت الحكومة بتغييره، فأصبح مع مرور الزمن هو العلم الرسمي للبلاد سواء أكان ذلك بموافقتنا أم لا.”

يعتقد الشاب محمد لوكا أن ارتباط السودانيين بالعلم الحالي ضعيف لأنه يرمز لفترة سياسية معينة ولا يعكس جميع الآراء. ويشير لـ “التغيير” إلى أن علم الاستقلال يحمل قيمة رمزية أكبر، إذ يمثل الوحدة والنضال ضد الاستعمار، ويعكس المطالبة بالعودة إليه رغبة في استعادة رمز يجسد السودان بعيداً عن تأثير الحكومات المتعاقبة.

يعتقد عبدالله بشير في حديثه لـ “التغيير” أن العلم الحالي لا يعكس التنوع الواسع في السودان، بل يميل نحو الهوية الإسلاموعروبية. ومع ذلك، يشير بشير إلى أنه ارتبط عاطفياً بالسودانيين نتيجة للتأثير الأيديولوجي الذي استمر لأكثر من خمسين عاماً.

ويشير إلى أن علم الاستقلال يحمل دلالة أقوى، حيث يعكس الطبيعة الشاملة للسودان بخضرته ونيله وصحاريه. كما أنه يتفق مع اقتراح الدكتور الباقر بإضافة ثلاث نجوم للعلم لترمز للبعد السياسي والإنجازات الإنسانية في البلاد.

تم دعوة الباقر للعودة إلى العلم القديم مع إضافة رمزية جديدة تبرز إنجازات الشعب السوداني. وتم اقتراح وضع ثلاثة نجمات على العلم ترمز إلى الثورات الكبرى التي قادها السودانيون عبر تاريخهم الحديث. ويرى من خلال هذه الإضافة أنه يمكن تحقيق توازن بين البعد الجغرافي والبعد البشري، مما يعكس الهوية الوطنية السودانية بشكل أوسع وأكثر شمولاً.

يقول محمد خليل إن دعوة العفيف لبدء نقاش حول علم البلاد قد نبهت إلى قضايا القومية والهوية الوطنية، وهي قضايا غائبة في الواقع. ويشرح لـ “التغيير” أن العلم الحالي، بالنسبة له ولقلة من السودانيين، لا يحمل أي دلالة عاطفية حقيقية، إذ تم اختياره ضمن سياق سياسي يتعلق بمصالح الرئيس السابق جعفر نميري وعلاقته بجامعة الدول العربية، وليس كوسيلة لتوحيد السودانيين.

تابع خليل قائلاً: “على عكس العلم الحالي، يعكس علم الاستقلال هوية السودان الأفريقية وتاريخه النضالي، وقد كان نموذجاً ألهم تصميم أعلام العديد من الدول الأفريقية. وقد تكون الحرب الحالية فرصة، على الأقل، لاستعادة العلم القديم كرمز مشترك يعبر عن التوجهات المختلفة.”

يرى مصطفى سعيد أن جميع الرموز الوطنية في البلاد، بما في ذلك العلم، تتأثر بالواقعين السياسي والاجتماعي. ويشير إلى أن العلم القديم يستند إلى معان مرتبطة بالموارد الطبيعية مثل الماء والأرض، ويمكن أيضًا ربطه بمدرسة الغابة والصحراء التي تعكس التنوع الجغرافي والثقافي في البلاد.

أشار سعيد إلى أن قضية الهوية الوطنية تعتبر إشكالية في السودان، حيث تتغير رموز الدولة بحسب السلطة الحاكمة. وأوضح أن العلم الحالي ظهر في سياق سياسي يرتبط بالوحدة العربية، لكنه يحمل دلالات رمزية عميقة. ورغم ذلك، يبقى العلم القديم كرمز للتحرر من الاستعمار، مما يجعله محفوراً في الذاكرة الجماعية.

جاءت وصية الدكتور الباقر العفيف بمثابة ضوء ساطع على أهمية رمزية علم البلاد القديم، الذي يعكس الوحدة الوطنية والهوية المشتركة للسودانيين، بعيدًا عن الإقصاء أو التمييز. ولذلك، عبّر في وصيته الأخيرة عن رغبته في أن يُلف نعشه بالعلم القديم، لما يمثله من رمز يعبر عن جميع السودانيين بثقافاتهم المتنوعة.

ترجع جذور علم السودان القديم إلى الفترة التي نالت فيها البلاد استقلالها من الاستعمار البريطاني المصري عام 1956. في تلك الأوقات، كان اختيار العلم الوطني بمثابة إعلان عن الهوية الوطنية وتعبيراً عن وحدة الشعب السوداني الذي كان يسعى لبناء دولته المستقلة.

كان العلم القديم يتألف من ثلاثة ألوان مرتبة في ثلاثة أشرطة أفقية متساوية الحجم، حيث يمثل اللون الأزرق مياه النيل، الشريان الحيوي الذي يتدفق عبر السودان ويربط جميع مناطقه. بينما يرمز اللون الأصفر إلى الصحراء السودانية التي تغطي مساحة واسعة من البلاد، واللون الأخضر يعكس الزراعة والخضرة التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للاقتصاد السوداني.

كان العلم القديم يمثل رمزاً لوحدة الأمة في فترة انتقالية حساسة عاشتها البلاد من الهيمنة الاستعمارية إلى السيادة الوطنية، حيث أصبح العلم يعكس تطلعات السودانيين نحو الاستقلال وتقدم بلدهم رغم التحديات.

في عام 1970، تم استبدال العلم القديم بالعلم الحالي الذي تم اعتماده بعد ثورة مايو. يتميز العلم الجديد بتصميم يعكس الأيديولوجيات في تلك الفترة، حيث يتضمن الألوان العربية (الأحمر، الأبيض، الأسود، والأخضر) التي تعبر عن التضامن مع العالم العربي والهوية الوطنية. ورغم مرور الوقت، يبقى العلم القديم جزءًا من الذاكرة الوطنية ويمثل حقبة تاريخية هامة في تشكيل الدولة السودانية الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى